نصر حامد أبوزيد: الخطاب السياسي يمضي على نسق الخطاب الديني في العالم العربي

محمد الحمامصي

تأتي أهمية هذا الكتاب “صوت من المنفى.. تأملات في الإسلام” من كونه يشكل مفتاحا أساسيا للدخول إلى عالم المفكر والأكاديمي المصري الراحل د. نصر حامد أبوزيد، فقد استطاعت الباحثة والأكاديمية الأميركية إستر نيلسون أستاذ اللغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة لايدن من خلال حوارها الطويل مع د. أبوزيد أن تقدم سيرة ذاتية كاشفة لحياته الشخصية وتكوينه الثقافي والمعرفي ومسيرته الأكاديمية ورؤاه وأفكاره حول إصلاح وتجديد الخطاب الديني، كان فيها المفكر الراحل الذي أجبر على الخروج من مصر بعد معركة فكرية انتصرت فيها قوى الظلام والرجعية والتخلف للدرجة التي أرادت أن تفرق بينه وبين زوجته، كان صادقا ونزيها وواضحا وجرئيا في كشفه لتفاصيل حياته ولأفكاره ومواقفه من القضايا الفكرية مثار الخلاف والجدل في الخطاب الإسلامي.

الكتاب الذي صدر عن دار الكتب خان حمل توقيع كل من نصر حامد أبوزيد وإستر نيلسون وترجمته نهى هندي، وضم مقدمة توضيحية لنيلسون كشفت فيها أنها اقترحت على أبوزيد أن يضع كتابا عن نفسه يرصد فيه الأحداث التي أدت إلى نفيه والمسار الحياتي الذي صاحبه في رحلته البحثية وكيف توصل لهذه الرؤية في تفسير القرآن وهي الرؤية المختلفة عن الفهم الشائع، فكان رد أبوزيد: “أود لو أكتب كتابا كهذا بالانجليزية، لكنني أتحدثها أفضل مما أكتبها، هذه مشكلة بالنسبة لي”، وهنا قالت له نيلسون “سأساعدك على رواية حكايتك، إن تخصصي في اللغة الإنجليزية كان في الكتابة والبلاغة”. وبالنهاية كان هذا الكتاب ثمرة هذا التعاون بين أبوزيد ونيلسون، وجاء في ثلاثة عشر فصلا.

يقول د. نصر حامد أبوزيد “حين بدأت في كتاب “نقد الخطاب الديني” أردت أن أذكر الاعتبارات الموروثة في الخطاب الديني. ما نقطة البداية؟ ما هو ما يأخذه الناس على عواهله؟ اكتشفت أن الخطابين الديني والسياسي يتشابهان كلاهما ينطلق من فرضيات غير مختبرة، الفرضية الأولى للخطاب الديني هي أن السيادة الإلهية مطلقة، يتبع ذلك ثنائية أن الله يملك الحكمة والمعرفة، والبشر جاهلون والله قوي والناس ضعفاء، لذا فأي ما يأمر به الله يؤخذ حرفيا.

النص يتكلم بنفسه، فماذا تعرف أنت أيها الإنسان الجاهل والضعيف على أي حال؟ بالإضافة لذلك ينظر للناس على أنهم ماكينات من صنع المهندس ـ الله، وبما أن الله خلق الناس فهو من يعرف بواطنهم وما يبدونه، والنص المقدس كتيب الإرشادات عن كيفية التعامل مع هذه الماكينة. يقع الناس على عاتقهم مسئولية تطبيق الارشادات لحيواتهم، وأي تدخل يعبث بالمكانيات يعرضها للتدمير. بالنسبة للمفكرين الإسلاميين الأصوليين وهناك الكثير منهم يتصدر لهذا الخطاب بمصر، هذه هي تحديدا الصورة التي يملكونها. هم لا يرون في الناس كيانات اجتماعية نشطة في حوار مع الله، بل مجرد كائنات توجد في فضاء منفصل عنه، وعليه فاستخدام العلوم الاجتماعية لفهم القرآن بالنسبة لهم لا يتعدى كونه هراء”.

ويضيف “أما الخطاب السياسي بالعالم الإسلامي فهو ليس بنفس حدة وجمود الخطاب الديني، لكنه يتبع نفس النسق. هؤلاء من يمتلكون السلطة لا يستشيرون الشعب لدى اتخاذ القرارات التي تؤثر بحياتهم. يسأل الناس دائما “لماذا لا يستشيروننا”، فيجيبون “قرارنا يعتمد على حقائق لا تعرفونها”، فهم يملكون المعرفة في حين يفتقدها الآخرون”.

الرسالة الواضحة هنا هي “نحن نكتم المعلومات وبما أنك جاهل بها فليس من حقك التظاهر، نحن نعرف ونبني قراراتنا على هذه المعرفة التي لا تملك الحصول عليها”.

مضيفا: “هذا جد مثير للغضب إنه إقصاء. في التعبير الديني يعبر الإقصاء عن نفسه من خلال تصور أن هناك جسرا غير قابل للعبور يوجد بين الله والإنسان. في المجال السياسي تتحكم الصفوة بقوة في المعرفة والسلطة، أما من غيرهم فيطلق عليهم الجهلة. يستبطن العوام هذا الفكر، فمن المعتاد أن تسمعهم يقولون “الحكومة تعرف أما نحن فلا”. كما يظهر تباين توزيع السلطة في مناح أخرى، المدرس، على سبيل المثال، هو من يعرف، الطلبة هم الجاهلون. ماذا عن الأب؟ الأب يعرف وعلى الأبناء الطاعة. نأتي للنساء فهيكل السلطة يظل كما هو، وظيفة الزوجة هي طاعة الزوج، عليها أن تطيع إخوتها الأصغر من الذكور هم رجال، ولأنهم رجال فالمفترض أن تجربتهم الحياتية جعلتهم يعرفون أكثر. معظم النساء لا تتاح لهن نفس فرصة الحياة لذا يبقين على جهلهن.

هذا النوع من التفكير ينتشر بالمؤسسات الاجتماعية والدينية والسياسية. حين يسأم خطيب المسجد من الأسئلة يقول عادة “لا تسألوا فكثرة الأسئلة من قلة الإيمان”. باستخدام الله كحصن يتلاعب الخطاب الديني بالناس. في المجال السياسي استخدام المعرفة كحصن للتحكم والسيطرة على الناس يجري بنفس الطريقة، في كل حال يتم عن قصد إقصاء الناس في الظلام غير قادرين على امتلاك السلطة بأنفسهم”.

ويرى أبوزيد أن الحكام يقدمون أنفسهم بعد الافتراض مبدئيا بأن ـ السلطة الإلهية مطلقة ـ باستخدام الدين كوسيلة لفرض أفكارهم وتحصين سلطتهم. وكلا الخطابين الديني والسياسي في مصر يؤمن بالحق في الحكم، وكلاهما يستخدم الحقيقة لتبرير هذا الطموح.

ويعتقد أبوزيد بقوة في فصل الدين عن الدولة كضرورة لحماية الدين من التلاعب السياسي. حين تعلن الدولة عن اتباعها لدين معين. يعاني من ينتمون لدين مختلف من الاضطهاد، بالإضافة إلى من ينتمون لدين الدولة لكن لا يشاركونها رؤاها الأصولية “رؤية من يمتلكون للدين” يصبحون عرضة للاتهام بالكفر أو الهرطقة. أما الدولة العلمانية ـ التي لا تعطي لدين معين حصانة رسمية ـ تتيح للدين المساحة التي يحتاج إليها لملاءمة حاجات الناس، إما هذا أو يصبح الدين سلاحا في أيدي من يملكون السلطة”.

ويشير أبوزيد إلى أن “الهوية الإسلامية غالبا ما تتشبث بمفهوم ضيق للدين، إنه المسلم وليس الإسلام الذي يقاوم التحديث، هذه المقاومة لم تكن الحال خلال معظم تاريخنا الإسلامي، لقد حاول أجدادنا على أحسن ما يكون في التفكير بشكل مبدع دامجين ما يتاح من المعرفة مع المبادئ القرآنية ثم تطبيق الحلول المناسبة للمشاكل الحديثة”.

ويؤكد أهمية أن ندرك “ضرورة تغيير الطريقة التي نفكر بها من أجل خلق مجتمع يقوم على الحرية والعدالة. خطاب ديني جديد هو جزء من النداء الواسع للحرية، ومن أجل النجاح في إقامة هذا المجتمع العادل لا بد أن يكون المواطنون قادرين على التفكير النقدي عن أنفسهم بحرية وللأسف مازال معظم العالم العربي اليوم مكبلا بقيود الخوف، القيود التي تقف في طريق التفكير النقدي والتعبير عن أنفسهم بحرية، وللأسف مازال العالم العربي اليوم مكبلا بقيود الخوف والقيود التي تقف في طريق التفكير الحر والتعبير عنه”.

ويطالب أبوزيد من أجل تجذر مبدأ تجديد الخطاب الديني بإلقاء نظرة طويلة وفاحصة على تراثنا الديني، فلا وجود لمذاهب محصنة أو بقرات مقدسة غير قابلة للنقد، فإن وجودهما يحصر عملية التجديد وبالنهاية يضعها تحت قيد الرقابة. فإن الرقابة والركود يسيران معا، ولأن الخطاب الديني مرتبط بالخطاب العام، فجميع جوانب المجتمع تتدهور نتيجة الرقابة. فقط المجتمعات الواثقة والحرة هي التي تمتلك القدرة على التمرد على التعفن والتحلل وتحدي الحالة الراهنة هو ما يفتح طرقا للتقدم.

لا بد للناس أن يكونوا أحرارا في الاقتناع بآراء يراها غيرهم غير صحيحة، وعلى تحدي الآراء الشائعة، وعلى الإسلام أن يحمي هذا الحق. هذا هو الطريق الوحيد للمضي قدما بنزاهة والحل الوحيد لبناء مجتمع عادل وحر.

 

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى