تجسيد روايات نجيب محفوظ يثري الدراما العربية

حظيت مجموعة من روايات نجيب محفوظ بمعالجات درامية وضعتها أمام جمهور التلفزيونات وصالات العرض السينمائية، وحسب النقاد فإن حظ محفوظ وافر في تجسيد شخصيات أعماله دراميا مقارنة بالكتاب المصريين الآخرين وحتى العرب أيضا.

ويعيد مسلسل “أفراح القبة” الذي عرض في رمضان والمقتبس عن رواية نجيب محفوظ التي تحمل نفس الاسم، الحديث من جديد حول أهمية تحويل مثل هذه الأعمال الخالدة إلى مسلسلات، وكيف يؤثر التجسيد الدرامي في تسليط الضوء على الأعمال الكتابية.

فحسب مصطفى الفرماوي مدير مشتريات الكتب في مصر، تزايدت قبيل وأثناء عرض مسلسل أفراح القبة مشتريات الرواية، وحققت مبيعات عالية.

وأصبح لروايات الكاتب الحائز على جائزة نوبل للآداب جمهور جديد من مشاهدي السينما والتلفزيون وخاصة من المتابعين الشباب الذين لم يطلعوا بعد على الرواية، وربما على أي من أعمال محفوظ، فهم مع المسلسل يشترون الرواية بحثا عن تفاصيل أكثر في صفحاتها.

وهذا الجمهور الجديد هو جمهور الدراما، بمعنى أن الروايات من قبل كان يقتنيها المثقفون وعشاق السرد والنقاد والدارسون، أما بعد تحويل الروايات إلى أعمال فنية فقد انضاف إلى القراء جمهور يعتبر حديثا، فهو الجمهور الذي شاهد العمل الدرامي وقد لا يكون لديه من قبل أدنى فكرة عن الكاتب أو كتابه.

ومن هنا تأتي أهمية تحويل الروايات إلى دراما، فبالإضافة إلى إبراز الكاتب وتحقيق نسب مبيعات عالية لكتابه، تأتي الاهمية من الانتشار السريع للكتاب بين القراء، الذين يدفعهم الفضول إلى المقارنة بين الرواية وبين العمل الفني، وكيف تحولت شخصيات من حبر وورق إلى أبطال من لحم ودم ومشاعر.

وعلى الرغم من زخم المسلسلات العربية التي عرضت في رمضان الفائت، إلا أن مسلسل “أفراح القبة” حقق نجاحا متميزا عزا أسبابه النقاد والمتابعون ورواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى كون المسلسل يستند في قصته إلى رواية نجيب محفوظ.

والرواية التي تم تجسيدها بنجاح وتميز كبيرين تدور أحداثها داخل إحدى الفرق المسرحية خلال حقبة السبعينيات، حيث يعمل ممثلو الفرقة على المشاركة في مسرحية جديدة تحمل اسم “أفراح القبة”.

ويكتشف الممثلون أن أحداث المسرحية تدور حول شخصياتهم الحقيقية في كواليس المسرح، وأن مؤلف المسرحية يعرض أمامهم أسرارهم المشينة التي حدثت بالماضي، ويسعى الممثلون لإيقاف هذه المسرحية الفاضحة لهم، لكن مالك الفريق يصر على استكمال العمل لكي يتطهر من آثام الماضي، ويجد الممثلون أنفسهم مجبرين على الاستمرار في تمثيل أدوارهم الحقيقية.

وقد ترك نجيب محفوظ بصمات مهمة ليس في الأدب فحسب، وإنما كان له أثر كبير في السينما أيضا، سواء في الافلام المقتبسة عن رواياته أو في الأخرى التي كتب لها السيناريو الخاص بها.

قدم نجيب محفوظ للتلفزيون والسينما المصرية: ميرامار، اللص والكلاب، والطريق، وكتب سيناريوهات الأفلام: ذات الوجهين، عنتر وعبلة، قصر الشوق، القطط السمان، حب تحت المطر، بداية ونهاية، بين القصرين، ثرثرة فوق النيل، جميلة بوحيرم، خان الخليلي، المذنبون، السمان والخريف، فتوات بولاق، القاهرة 30، الشحات، والكرنك.

وتعد ثلاثية نجيب محفوظ من أهم الأعمال الروائية التي تم تجسيدها دراميا، فكثير من الجمهور العربي تعرف إلى حامل نوبل للآداب من خلال: بين القصرين، وقصر الشوق، والسكرية، وعلى الرغم من أنها لا تعد أهم أعماله نقديا حسب النقاد، إلا أنها من أهم الأعمال العربية التي أنتجت دراميا.

واستطاع المسلسل في أجزائه الثلاثة أن يخطف أنظار جمهور الثمانينيات من القرن الماضي بشخصياته العادية والبسيطة والتي لقيت ترحيبا كبير لدى المشاهد العربي.

فمن منا ينسى “سي السيد” وزوجته أمينة والغازية زنوبة، وخديجة وعائشة ابنتي سي السيد، وابنه ياسين، وظلت شخصية سي السيد الذي أداها ببراعة الفنان محمود مرسي مثلا عالقة في وجدان وذهن المشاهد العربي حتى الآن، ولاتزال صفة تطلق على الرجل المتجبر ببيته وزوجته، والمنفلت خارج منزله والذي يعاني ازدواجية في السلوك.

ولاتزال شخصية أمينة التي أبدعت في تجسيدها الفنانة هدى سلطان مثالا على المرأة الخاضعة لتسلط زوجها والورع التقي في البيت والفاسد خارجه.

لا شك أن الروائي المصري نجيب محفوظ في رواياته التي تجسدت دراميا، وتلك التي بقيت حبرا وورقا، ابتدع شخصيات من الشارع العربي لا تزال تتجول فيها حتى الآن، وبرع في رواياته الواقعية في تصوير الأسر المصرية بطريقة توحي للقارئ ولمشاهد العمل الدرامي أنها حقيقية، غير أنه تجاوز الواقع وابتكر أبطالا كما يحب وكما يملي عليه إلهامه الإبداعي الكبير.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى