«الغول»: دراما مغربية على الطريقة الغربية

مبارك حسني

لوﻻ لغة الحوار المتداولة بين الشخصيات، والتي هي العامية العربية المغربية، ولوﻻ سحناتهم المشرقية والفضاءات المدينية الواطئة والحارة، لبدت حكاية مسلسل «الغول» المتخيلة قادمة من قناة تلفزيونية غربية. نلاحظ ذلك منذ جنيريك البداية. فهذا اﻷخير صُمِّم كي يكون طبق اﻷصل من مواصفات العوالم السود أو الظل التي تحيل على الترقب المشوب ببعض التهيب في المسلسلات البوليسية الغربية.
وتتخلله مقاطع من مشاهد متباطئة ومركبة وجدية تمنح للنظر وجوهاً مكلومة ونظرات متحرية أو مرتبة وسط أدخنة وضباب. باختصار، عوالم سلسلة تحريات تقلد حتى أدق تفاصيل ما يقدم في مثيلاتها اﻷميركية والأوروبية المعروفة. هو من دون شك تقليد محمود حالياً، ولكن مع التمني بأن يكون الهدف هو الوصول إلى أفق إتقان هذا النوع من البرامج الترفيهية التلفزيونية وتعميمه لما هو محلي شكلاً ومضموناً، لأن ميزة الأفلام البوليسية الناجحة هي تقديم صورة خلفية لمجتمع ما وما يمور بين أفراده وطبقاته زيادة على الفرجة والمتعة.
تتقاطع في مسلسل «الغول» قصتان تبدوان متباعدتين، لكنهما تتلاحقان وتُنوعان المحتوى الدرامي. وهما باﻷحرى وفي حقيقة الأمر وقائع بحثين تحريين. اﻷول عن عائلة تبحث عن ابنة لها اختفت في ظروف غريبة. والثاني عن سر وجود جثث مجموعة من المهاجرين السريين من أفريقيا جنوب الصحراء في حفرة في غابة بالقرب من مدينة مراكش. وطبعاً وراء ذلك كما هو منتظر أفراد منظمة إجرامية تتاجر بالبشر وأعضائهم لبيعها.
الحلقات الثلاثون التي أنتجتها قناة «ميدي 1 تي في»، والتي تدوم كل حلقة منها قرابة نصف ساعة، وضعت المشاهد في أجواء ﻻ تغادر لونها الرمادي إلا نادراً مُكثفة من صدى التشويق المعتمد على المفاجآت وصدم العين بما يرعب وينتج الرهبة، وبالحركات الرياضية والبهلوانية المثيرة. وهو ما يجعل البحث المزدوج، عن الفتاة وعن المجرمين، يعوم في منحى تشويقي يتعمد خلق اﻹبهام والمطبات. وعلى رغم أن جل المشاهد المقدمة مطروقة ومعروفة لكونها مشابهة لما يعرفه النوع البوليسي، فذلك ﻻ ينقص من الرغبة في المتابعة. فـ «أسعد بواب» بطل السلسلة واﻷخ اﻷكبر للفتاة المختفية عن اﻷنظار يمنح التوابل الضرورية للتماهي مع خوفه وحيرته وبخاصة مع تصميمه على العثور عليها مهما تطلب ذلك. لقد قدم كشخصية رابطة منحوتة من ريبرتوار الأبطال البوليسيين بزيه الأسود الداكن ودراجته النارية الضخمة ووجهه المعبر قدر المستطاع وحركاته المتأنية ودفاعه المستميت.
بموازاة ذلك، ينشر المسلسل وقائع التحري البوليسي المحض متبعاً قوانين البحث ومساطرها بدءاً من مكتب العميد ومروراً بالمشرحة ووصوﻻً إلى المطاردة المعقدة والملتوية مع رسم واضح للمسار والمشاعر المتواترة بين نزوعات الخير ونزوعات الشر الذي ينهزم بالطبع. والحق أن السلسلة تُشاهد بنوع من التسامح الضروري، ﻷن التقليد الذي تحدثنا عنه في البداية يُثقل أحياناً على المشاهدة. لكن التجربة في حد ذاتها مطلوبة. وفي هذا اﻹطار حاول منتج السلسلة وصاحبها المخرج السينمائي سعيد س. الناصري تعويض هذه المماثلة بتعمد خلق موسيقى تصويرية شبابية مغربية من إبداع الـموسيقي فان ومغني الراب مسلم، ومن بطولة أسماء أثبتت علو كعبها في مثل هذه الحالات الفنية، مثل الفرنسي من أصل جزائري موسى معسكرين المعروف بأدوار في هذه المسلسلات في فرنسا، والممثلة الشابة سارة برليس، والممثل المخضرم إسماعيل أبو القناطر.
واعتمد المخرج سيناريو لكاتبين مكرسين، بمساعدة ثلاثة مخرجين في الإخراج. هذا بالإضافة إلى متعاونين مختصين في الحركات الخاصة. النتيجة: مسلسل يود تحقيق سبق ومنافحة الإنتاج العالمي.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى