أحمد ناجي يعود إلى سجنه واحتجاجات على «فايسبوك»

ايمان علي

بعد ترقّب للمستجدات في قضية الكاتب المصري أحمد ناجي، القابع في السجن منذ 20 شباط (فبراير) الماضي بتهمة «خدش الحياء العام»، طويت قبل أيامٍ صفحة جديدة من الحكاية بخيبة أمل «متوقّعة»، انتظاراً لجلسة جديدة وأخيرة قد يتقرّر فيها أشياء أخرى. هكذا انتهت الجلسة بلا مفاجآت سارّة لناجي وأصدقائه ومسانديه، فعاد الكاتب الشاب إلى سجن مزرعة طرة في جنوب القاهرة ليستكمل تنفيذ الحكم عليه بالسجن لمدة سنتين، بسبب مقطع من روايته «استخدام الحياة».
كانت هيئة الدفاع عن ناجي أعلنت فور صدور حكم الإدانة ضرورة وقف تنفيذ الحكم، وكانت تحدّدت جلسة يوم السبت الماضي أمام محكمة شمال القاهرة برئاسة القاضي نفسه الذي سبق أن قضى بالحبس والغرامة المالية. بعد هذه الجولة، ينتظر ناجي النظر في دعوى الطعن بالنقض ومن ثم إعادة المحاكمة. وتقدمت هيئة الدفاع عنه- وهي تضم المحامين ناصر أمين ومحمود عثمان ونجاد البرعي- بمذكرة بأسباب الطعن في نيسان (أبريل) الماضي.
حضر جلسات المحاكمة أصدقاء ناجي الوحية لمدّه بطاقة دعم معنوية، خصوصاً أنّ حضورهم كان وسيلتهم الوحيدة للوقوف بجانب ناجي ورؤيته، لأنّ زيارته في السجن تقتصر قانوناً على أقربائه من الدرجة الأولى.
بدأت فصول القضية الرقم 9292 لعام 2015، برفع دعوى ضدّ ناجي وصحيفة «أخبار الأدب» القاهرية التي نشرت فصلاً من روايته «استخدام الحياة» (دار التنوير)، ورأت النيابة أنه «يحوي ألفاظاً خادشة للحياء العام». وقضت محكمة جنح بولاق أبو العلا برئاسة القاضي إيهاب الراهب ببراءة ناجي ورئيس تحرير «أخبار الأدب» طارق الطاهر في كانون الثاني (يناير) الماضي، استناداً إلى المادتين 67 و71 من الدستور المصري اللتين تنصان على حرية التعبير، وإلغاء عقوبة الحبس في جرائم النشر. واستأنفت النيابة الحكم، فصدر الحكم بالحبس عامين، استناداً إلى المادتين 178 و200 مكرر أ / 2 من قانون العقوبات، اللتين تشترطان توافر القصد الجنائي في نشر أو إنتاج مواد تخدش الحياء العام، واعتبرت المحكمة الفصل المنشور في «أخبار الأدب»، «مقالاً يحوي اعترافات المتهم عن نفسه ويستخدم ألفاظاً صريحة خادشة للحياء».
ومن بين أسباب الطعن على الحكم، خروجه على مبدأ عينية الدعوى. فمن المثير للعجب، ويُكمل مشاهد العبث والتردّي، هو استناد حكم محكمة الاستئناف في حبس أحمد ناجي وتغريم طارق الطاهر، إلى وقائع جديدة تالية لحكم البراءة.
وهذا يخالف مبدأ عينية الدعوى، الذي يستوجب نظر القضية بالاستناد إلى الوقائع المنصوص عليها بأمر الإحالة الصادر من النيابة العامة. فالثابت من مدوّنات الحكم بالحبس عامين هو أن القاضي عاقب المتهم لأنه قام بـ «صُنع» رواية «استخدام الحياة»، واستدلّ على قصدية الجاني بمقالة كتبها ناجي ونشرها عبر الإنترنت بعنوان «سحر الألفاظ البذيئة» بعد استئناف النيابة، يشرح فيها لماذا استخدم هذه الألفاظ من دون غيرها. في حين أنّ الواقعة التي أحيلت إلى المحكمة تشير إلى أنه «بتاريخ 3/8/2014 نشر المتهم مقالاً بقصد العرض والتوزيع، حوى مادة كتابية خادشة للحياء العام». ولأن كانت أدلة الإدانة هي صورة المقال وأقوال شاهدين، ولا وجود للرواية أو لمنشورات على المواقع الإلكترونية ضمنها، فهذا يبطل الحكم لأنه بُني على أدلة لا وجود لها في الأوراق.
«للكلمات قوى أكبر مما تصوّرت». هكذا كتب أحمد ناجي يدافع عن استخدامه كلمات بعينها من دون أخرى في روايته. أما شلّة الأصدقاء والمتعاطفين، وملوك التدوين والإنترنت الذين تحلّقوا يوماً حول شعار «وسّع خيالك» وأصبح أسلوب حياة، لم يحسبوا يوماً يعتادون فيه التلاقي وعلامات الوجوم تعلو الوجوه، وأن يكون نصيبهم من الرفيق ابتسامة تغالب الصمود وتلويحات من بعيد تراقبها عين الحرّاس. لماذا نحن هنا اليوم، ولماذا يقبع كاتبٌ شاب مثل أحمد ناجي في الحبس، ويمثُل أمام قاعة يُقيّد داخلها مع لص كابلات كهرباء، فيما سقفُ قاعة نفسها منقوش بسماءٍ باهتة، ضبابية، محددة بإطار، وأشباه طيور رسمتها يدٌ وكأنها تُحلّق، لكنها لفرط البدائية بدت مذبوحة في الفضاء؟

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى