الدراما المصرية لا ترى إيجابيات

سعيد ياسين

بعدما سيطرت الجوانب السلبية على أحداث المسلسلات المصرية التي عرضت طوال شهر رمضان، تعالت الأصوات المطالبة بضرورة تركيزها مستقبلاً على الجوانب الإيجابية، خصوصاً أنها ركزت في شكل شبه متعمد على تجارة السلاح والمخدرات والإدمان والبلطجة والقتل والأعمال المنافية للآداب. وامتلأت بمشاهد تعاطي المخدرات كأمر طبيعي في المجتمع، واحتوت حواراتها على ألفاظ سوقية.
وتحدث نقاد ومؤلفون ومخرجون حول هذا الأمر، منهم الناقد حسن عطية الذي أكد أنه تم بنجاح تسليع الدراما، وتحويلها الى سلعة تجارية تباع لجمهور صنعته الآلة الإعلانية الضخمة لاستهلاكها بتعطيل عقله وشل استمتاعه بالفن، وذلك بالتركيز على إثارة مشاعره السطحية ورغباته الشهوانية نحو جرائم القتل والخيانة وبيع الجسد، مع دعمها بإعلانات الشحاذة.
وقال إن الدراما غرقت هذا العام في حكايات القتل والخيانة والمرض النفسي، مشيراً إلى أنه على رغم أن الإحباطات أصابت المجتمع العربي والمصري في مقتل، واغتال الواقع أحلامه، إلا أن دور المبدع ليس مسايرة ما هو سائد، بل قراءة الواقع قراءة معمقة تدفعه للتصدي له، والانتقال من مرحلة نقل الواقع إلى مواجهته.
ورأى المخرج أحمد خضر أن المخرجين لا يمرون بمرحلة التثقيف والتدريب التي كانت تحدث لمن قبلهم، ولذلك يقلدون ما يرونه في السينما، ويعتقدون أنهم حين ينفذون الكادرات القريبة من العمل الأميركي، يقتربون من العالمية. ولفت إلى أن المشكلة الحقيقية أن الدراما الآن لقيطة بلا أب أو أم، وقال: «على رغم الجمال والحركة والسرعة في الإيقاع على الشاشة، لا يوجد مسلسل واحد يدعو الى التفاؤل أو يشعرك بالبهجة، بل كلها تشعرك بالإنقباض والخوف، ولا أدري إن كان ذلك مقصوداً أم لا؟ والفنانون الحقيقيون مهما كانت قسوة واقعهم يقدمون فناً يقيم الناس من عثراتهم، وينير لهم الطريق ويزرع الأمل ويبعث فيهم البهجة».
وطـــــالب المؤلف هشام أبو سعدة بضرورة حــدوث تغيير كبير في الشاشة الصغيرة، وأن يعود كل واحد إلى مكانته الحقـــيقية بعيداً من صناعة الإعلام الزائف والمصنوع، وتكون هناك صراحة مطــــلقة بعيداً من الحسابات الشخصية والتوازنات والمصالح، وتساءل: هـــل من المعقول عدم وجود شيء إيجابي في مصر يتحدث عنه عمل واحد؟ هل في حربنا مع الإرهاب كل الأعمـــال تظهر الشرطة كشياطين؟ هل لا تــوجد شخصية مصرية واحدة إيجــابية نتـــحدث عنها؟ هل لا نستطيع أن نقدم عملاً مقنعاً من دون ألفاظ خارجة ووقحة وسوقية؟ ألا يوجد بارقة أمل واحدة نتحدث عنها للناس بعيداً من الشخصيات الدرامية المريضة والمعقدة والمنحرفة؟
واعتبر المؤلف أيمن سلامة أن المتابع للوجبة الدرامية الدسمة التي قدمتها القنوات التلفزيونية طوال شهر رمضان، يكتشف أننا نعيش حالة من الفوضى أو العشوائية الدرامية والتي تسيطر عليها الإعلانات حتى صرنا نشاهد فترات إعلانية مفتوحة يتخللها بعض الفقرات الدرامية للاستراحة، بخلاف الحوار الساذج الذي يحمل تناقضاً بين طبيعة الشخصية ودوافعها النفسية والاجتماعية، أو ترى الجميع وهم يتحدثون بمفردات لغوية واحدة هي مفردات المؤلف. وهذه الفوضى جاءت نتيجة طبيعية لسيطرة النجم واختفاء المؤلف الأكاديمي المثقف، وعدم وجود استراتيجية واضحة للإنتاج الدرامي في ظل غياب الدولة ورفع يدها عن الدراما.
وأكد خبير الطب النفسي يسري عبد المحسن أن كثرة المسلسلات التي ركزت على الأمراض النفسية عبارة عن تجارة هدفها الأول الربح، لأنها بضاعة رائجة تحقق المكاسب على كل المستويات الفنية والتسويقية. وعزا أسباب انتشار هذه المسلسلات إلى عدوى التقليد بحثاً عن الجدل الذي تخلقه، وندد باختفاء الأعمال التي تتناسب مع الشهر الكريم، إلى جانب اختفاء المواضيع ذات الطبيعة الروحانية كالأعمال الديـــنية التي اعتدنا عليها في الماضي.
يذكر أن صندوق مكافحة الإدمان رصد 348 مشهداً عن التدخين والمخدرات في مسلسلات رمضان خلال 5 أيام فقط، ركزت فيها مسلسلات على مشاهد تعاطي المخدرات في المجتمع كأمر طبيعي، وأطلق الصندوق قائمة سوداء على المسلسلات التي تروج بكثرة لتعاطي المخدرات والتدخين، ومنها «الكيف» و«الطبّال» و«سقوط حر» و«راس الغول» و«القيصر» و«هي ودافنشي» و«يوميات زوجة مفروسة 2» و«هبة رجل الغراب 2» و«نيللي وشريهان».

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى