«رباعي الأوتار» … عودة رشيقة رغم الأجواء الخانقة

محمود حسني

بأقل من ثلاثة دولارات، في إمكانك أن تجلس على مسافة لا تزيد على عشرة أمتار، في أحد البيوت المملوكية القديمة، لتستمع إلى فرقة «رباعي الأوتار» الموسيقية التي عاودت أداء حفلاتها في «الربع»، أحد المراكز الثقافية بشارع المعز لدين الله الفاطمي بمنطقة الأزهر في القاهرة الفاطمية.
«رباعي الأوتار» فرقة تتشكّل من ثلاثة عازفي كمان وعازف تشيلو هم ياسر غنيم، خالد صالح، عصام عبدالحميد، محمد عبدالفتاح. ويشارك معهم في بعض الأحيان عازف الإيقاع رامي عبدالرحمن. وتركز الفرقة على أن تكون معزوفات حفلاتها من ألوان موسيقية مختلفة: كلاسيك، شرقي، بوب، جاز، وحتى التانغو والفالس، إضافة إلى الموسيقى التصويرية للأفلام وأحياناً المسلسلات.
وكذلك كان الحال في حفلتها الأخيرة التي استمرت ساعتين، فجلس الجمهور على وسادات من الطراز المملوكي في بهو بيت مفتوح، ينتمي الى الفترة التاريخية نفسها، يستمع إلى مزيج من المعزوفات الغربية والشرقية، بداية من «باليه أداجيو» للموسيقي الايطالي توماسو ألبينوني وصولاً الى «حلوة يا بلدي» لداليدا.
عشر معزوفات تتنقل ما بين الكلاسيك والتانغو: «ماكلين» كان الأكثر حضوراً بين معزوفات التانغو، ورومبا، وسيرينتا. «سواي» أيضاً حاضرة، وموسيقى كارلوس غاردل التي رقص عليها آل باتشينو وغابرييل أنور في مشهد الرقص الشهير من فيلم «عطر امرأة»، في واحدة من أكثر لحظات الجمهور تفاعلاً في النصف الأول الغربي من الحفلة التي انتهت بمعزوفة للأرجنتيني الأنيق أستور بيازولا.
الجمهور كان متنوعاً كما التنوع الموسيقي في الحفلة. محجبات من طبقة متوسطة يجلسن بجوار فتيات من طبقة عليا. سيدات بهندام أنيق يطردن الحر بمراوح يدوية أرستقراطية، وشباب يقاوم رطوبة القاهرة الخانقة بالتمايل الهادئ من موضع جلوسه مع كل معزوفة.
يتزايد التصفيق مع بداية النصف الثاني من الحفلة (الشرقي). أصوات خافتة بدأت تعلو مرددة الأغاني التي تُعزف موسيقاها ضمن برنامج الرباعي. لا نزال نبتسم ونردد: «أنا لك على طول» و «أهواك» لعبد الحليم، لا نزال ننفعل جسدياً مع «الحلوة دي» لسيد درويش، و «أشكي لمين» لمحمد منير. عمر خيرت حاضر هو الآخر بثلاث معزوفات: «عم أحمد» و «خلي بالك من عقلك» و «تيمة حب». وحين أتت فيروز، غنى الجميع بصوت عالٍ مع «نسم علينا الهوا»، وبدت «لما بدا يتثنى» وكأنها جزء من روح المكان. وبالطبع غنّى الجميع مع موسيقى «حلوة يا بلدي» حتى وإن لم تعد «بلدي» كذلك.
يبدو الذهاب إلى حفلة لـ «رباعي الأوتار» كأنه محاولة لتجاهل كل الضغوط التي تحيط بالقاهرة كمدينة بظروفها المرتبكة، محاولة لاستجلاب شيء من الانتشاء الروحي، الرغبة القصدية في الاستمتاع بأجواء موسيقية تخفف من أعباء متراكمة تثقل أهل هذه المدينة الممتلئة بالزحام والصخب.
يذكر أن فرقة «رباعي الأوتار» أُسست أواخر 2012. وفي عام 2013، عزف الرباعي أولى حفلاته في دار الأوبرا المصرية، حيث لاقى نجاحاً ونقداً إيجابياً.
وفي نيسان (أبريل) 2014، عزف بمصاحبة أوركسترا وتريات أوبرا الإسكندرية على مسرح سيد درويش بالإسكندرية، وأوركسترا الساقية الوتري في القاهرة، في الظهور الأول للرباعي مع أوركسترا في مصر.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى