“بين العشق والألم” جدائل قصيدة الحنين إلى الجذر

خاص ( الجسرة )

 ديوان: بين العشق والألم للشاعر إسلام علقم.. جدائل قصيدة الحنين إلى الجذر

*احمد الشيخاوي

بشعرية نافرة وموسيقى خفيضة تدغدغ الروح، يطالعنا،عبر ديوانه الصادر حديثا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت ــ لبنان، الشاعر الفلسطيني الأردني إسلام علقم كأحد أبرز الأصوات بين مجايليه في عزفهم على وتر إيثار الهموم الوطنية وسيناريوهات الاحتماء والانتشاء بألوان خلطة خليلي ــ تفعيلي، حتى لتتأتى له بذلك وتنرسم آفاقا بلاغية تمتح من معجم فصيح هامس، ضمن حدود الانفتاح الواعي على جغرافية تجريب الأجناس.
مطرقة الألم وسندان العشق في لحظة افتقاد ما يؤهّل الروح للانسكاب في بؤرة اتزان يقود إلى أرضية قد تتيح فرص تصالح جدّي مع المعطيات الوجودية للبينية المتجذرة فينا .
سليقة ليس تستقيم بسوى استنبات بذور لثورة مهادنة تنطلق من الذات وعلى امتداد ذبذبات وجدانية وتداخلات إيقاعية تقتضيها أغراض القول الشعري الموزون وصاع الحاجة إلى بحر العمود المحقق لتناغم الدّال والمدلول ومن ثمّ التلقّي السلس لزخم الرسائل المتدفّقة عبر شريان الجسد النصي الثري برمزية اتكاءه على الحس الوطني والإشكاليات الإنسانية العميقة والكبرى.
” هل الصفحاتُ أتعبها اليراعُ / وهل يا ريح أتعبكِ الشّراعُ
أتبكي صفحةٌ من بوح حزنٍ /ويخدشُ سطوة الريح الضّياعُ
يسيرُ بنا الزمانُ بلا رجوعٍ / وأسرارٌ تموتُ ولا تُـــشاعُ
وتنهالُ الوجوهُ على المرايا / ويكسبُ جولة َ الحسمِ القناعُ
وإن يا حبُّ قد أطربتَ قلبي/ فإنّ الروح يؤلمها السّماعُ ”
………….
” تفيض الرّوح من وجع الليالي/ وتُلقي حزنها في رحم بحري
ومن فرح ستقطُر كالزّلالِ / ليعزف وقعها مع نبض صدري”
تنقلات مخاتلة تخطف خطو الهوية الجندرية لتذيب فوارق الانتماء وأوهام الحدود وتستنطق إنسانيتنا وتفجّر إيديولوجية التكامل والتعايش وكونية الكينونة بمنأى عن العرق أو اللون أو المعتقد.
” لا تعتبي
إذا ألقيتُ أيامي
إلى الحتف
لا تنظري
إذا أسدلتُ أحلامي
لأمشي فاقدا ظلي
إلى الخلف ”
إذ السجال الخاسر يكمن في قمع أحلامنا المشروعة إن عرضا أو بشكل مقصود . ما قيمة أن نكتب ؟ما لم ننتصر لمواطن النبل والجمال فينا، وتهبّ توليفة ما تمتزج به دماؤنا من انطباعات وأفكار وأحاسيس، ضدا على ما يسوّق عن فخفخة كمّا مهولا من المفاهيم الزائفة لتناطح المنظومة الأخلاقية التي قد تقلّص فينا ــ حدّ التلاشي ــ أقنعة البهيمية وشهوة الفتك وسلطة الأنانية وإقصاء الآخر سواء في تجليات الأنوثة أو بقية عناصر ماهيتنا ووجودنا إجمالا.
” وتسألني الحبيبةُ: أين أنتَ؟ / أفي الأعياد تنطفئُ الليالي
يبوح حنينها للوصل حزنا/ ألا يا ليتها تدري بحالي ”
تدرّج يغطّي فضاء الحكاية ويقبض على ثغرات الزمن الموبوء. من عوالم مبُهجة طقوس الذبح.. ذبح سنبلات القلب وتقطيع أوصال الشّد إلى الأوطان كما يشتهيها قريننا في فضح المكبوت ونفض الأوجاع التي ما ينفكّ يشحننا بها الراهن بكل أقنعته وتناقضاته ومفارقاته وبربريته واستذءابه أيضا بكيفية نحن أبرع ما نكون عليها في خلع وإسقاط ساديتنا وشلالات مثالبنا عليه وهو الراهن المتّهم والمدان على الدوام.
“إلى قصائد الاستشهاد والغرابة والعطش ومدن الذاكرة.
إلى الرياض التي تذكي الحنين إلى الجذر.
” أنت آخر هبّات الهوى
وختامُ النهر
في بحر النّوى
وركوع النجم للشرق المهيبِ ”
………..
” فإذا تراقص صدركِ
وابتلّ ثغركِ بالندى
لا تفزعي
قد حلّ دفء في القلوب”
…………
” وبوحي اليوم ليس له وجود /وبوح الأمس من شوق رماني
سأحكي ما مضى منّي فإني/ لديّ من الحوادث ما رواني ”
……………..
” يا قبلة الحرف الشغوف تقرّبي/ فالروح تخشعُ إن أتى الأحبابُ ”
……………
” بغربِ القدس أطلالٌ وذكرى / وأرواحٌ تهيمُ على المدادِ
تجول حزينة من طرق خطوٍ / يعاقبُ سمعها دون ابتعادِ
مساجدها تكذّب ما تراهُ / كنائسها تدقّ بلا عبادِ
و “مالحة” أراها في منامي/ توشّحت الزهور على السوادِ ”
لذا تبقى الكلمة مهما بسقت وتسامت أقصر قامة عن أن تحتوي وجع فلسطين المغتصبة باعتباره وجعنا جميعا وبدون منازع.
وإذن هما ثيمتان مؤطّرتان لتساوق المعنى ضمن حقول دلالية تلتحم ثارة وتنفصل أخرى لتغذي الذائقة بإفرازات قيمة الحب كنواة للاتزان الشخصي والطبيعي ومجموع ما ترتكز عليه أوتار النبض ومكونات حياتية شتى.
لكن يسبق العشق الألم وكأنما هي تقنية لاستغراق عملية التلقّي بظلال خيار الحياة والتحرر من منطقة المنغصات وسائر عقد الارتهان بتعاليم عولمة متغوّلة تطعن في خصوصيات الذات وتُبهرج خطابات الانفصام الروحي.

*كاتب و ناقد مغربي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى