الفرنسي رومان رولان «محرر» المسرح من البورجوازية

( الجسرة )

ابراهيم أبو عواد

الأديب الفرنسي رومان رولان ( 1866ـ 1944)، هو أحد أبرز قادة الفكر المدافعين عن السلام العالمي وحقوق الإنسان. حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1915، تقديراً لأعماله الأدبية التي تمتاز بالمثالية النبيلة، والقيم الإنسانية، والشعور الوجداني والمحبة بين الشعوب.
وُلد في بلدة كلاميسي من أسرة ريفية بورجوازية عريقة. وتلقى تعليمه في مسقط رأسه، ثم انتقل إلى باريس عام 1886، والتحق بمدرسة النورمال العليا. وأكمل دراسته حتى حصل على شهادة الدكتوراه في الآداب عام 1895، وكان موضوعها «أصول المسرح الغنائي الحديث»، ثُمَّ عُيِّن أستاذاً لتاريخ الفن في مدرسة النورمال العليا. وبعد ذلك تَمَّ تعيينه أستاذاً في جامعة السوربون العريقة، حيث أدخل مادة تاريخ الموسيقى، وبقي في الجامعة حتى عام 1911.
بدأ حياته الأدبية بكتابة عدد كبير من المسرحيات، ولم يكن هذا الأمر عفوياً أو صُدفةً، بل كان عن إصرار مسبق وتخطيط دقيق، وتنفيذاً للأفكار المسيطرة على عقله، التي تتعلق بضرورة تجديد الفن المسرحي وفق الفلسفة التي شرحها في سلسلة مقالات كتبها بعنوان «مسرح الشعب» عام 1900. وقد ارتبط اسمه بالمسرح الشعبي الذي دعا إليه، ونظَّر له. ومع أن رولان لم يكن أول من طرح مفهوم «مسرح الشعب»، إلا أنه مارس دوراً مهماً في تثبيت فكرته وتطبيقها.
إن المنهج الفكري لهذا الكاتب يقوم على دراسة حياة العظماء الذين رأى فيهم قُدوةً سامية، ومَثَلاً أعلى، واعتبرهم النموذج الرفيع الذي يجب أن يصل إليه الفرد، لذلك كتب عن بيتهوفن وتولستوي وغاندي وغيرهم، وقد كان صديقاً شخصياً لغاندي.
أمَّا فلسفته الإبداعية فتقوم على تحرير المسرح من بورجوازيته، ورفض المسرح الكلاسيكي، لذلك رفض فكرة توجُّه المسرح البورجوازي إلى النخبة، وشدَّد على أهمية استعادة الطابع الاحتفالي الجماعي، وتحويل العَرْض المسرحي إلى احتفال ثَوري وتظاهرة شعبية. وقد آمنَ بأن الفن المسرحي هو انعكاس لأفكار العصر الْمُعاش.
كان في مقالاته مُتجرِّداً من الوطنية العمياء والقَومية العنصرية، فلم يتأثر بالحماسة الخادعة التي كانت تنتشر في الأمم الأوروبية المتحاربة في الحربين العالميتين. وكان دائم السخرية من المفكرين ورجال الدِّين الذين خدعوا أبناء جِلْدتهم، وخانوا المبادئ النبيلة، وقد كان بإمكانهم تأدية مهمتهم الإنسانية الإصلاحية في الحياة على أكمل وجه.
وقد اعتبره الكثيرون من النقاد كاتباً عالمياً، يحمل هَمَّاً إنسانياً عاماً، وفكراً كَوْنياً، فلم يكتب لأمَّة مُعيَّنة ولا لشعب خاص، بل كتب للعالَم أجمع، ونظر إلى الأمم والشعوب كعائلة إنسانية واحدة، لا تُمزِّقها حدود، ولا تُفرِّقها لهجات.
كان رومان رولان واحداً من أكثر المثقفين اليساريين تأثيراً في فرنسا وأوروبا في فترة ما بين الحربين العالميتين، وقاد مجموعة من التظاهرات الأممية التي رفضت الحرب والفاشية، ودعت إلى السلام العالمي، والأخوَّة بين البشر. وقد رفض الحروب بشكل قاطع. وعندما قامت الحرب العالمية الأولى عام 1914، كان موجوداً في جنيف، وكتب عدداً من المقالات، وطالب فيها بحقن الدماء، وعودة السلام، وإنقاذ أرواح الشباب الأبرياء الذين يُقتَلون ضمن لعبة يمارسها السياسيون. وهذا الموقف المعارض للحرب سَبَّبَ له الكثير من المتاعب، وأكسبه عداوة شريحة واسعة من أبناء وطنه، وأثارت الصحافة القومية الرأي العام ضِدَّه. كما استنكر الوحشية الألمانية التي أحرقت بلدة لوفان البلجيكية في رسالة وجَّهها للكاتب الألماني هاوبتمان.
ولم يكتفِ بهذا، بل هاجم النازيين أيضاً في الحرب العالمية الثانية التي اندلعت عام 1939، واعتبر النظامَ النازي عدواً للإنسانية والتاريخ والحضارة، وقائماً على امتهان كرامة الشعوب، واحتقار الحياة الإنسانية، وتدمير مُنجَزات الحضارة، مُبَيِّناً أن الفكر الألماني الذي مجَّده، ولا يزال يُمجِّده، هو الفكر الذي يدعو إلى المساواة بين الأمم. وهذا الموقف الحاسم أثار حفيظة النازيين، وجعلهم يُصنِّفون هذا الكاتب كعدو، فتمَّ وضع اسمه في القائمة السوداء. لذلك، بِمُجرَّد دخول النازيين فرنسا، تَمَّ القبض عليه، وأُرسِل إلى معسكرات الاعتقال في ألمانيا، مِمَّا عجَّل بموته بعد أسابيع من تحرير فرنسا.
لقد رفض رومان رولان الأفكار القومية العنصرية التي سيطرت على أوروبا في النصف الأول من القرن العشرين، وكان يأمل أن يرى أوروبا مُوحَّدة تحت شعار السلام والتحرر الفكري الإنساني. وقد طالب فرنسا وألمانيا باحترام حقوق الإنسان أثناء الحرب العالمية الأولى في منشوره «خارج الْمُعترَك»، وطرح موقفه الرافض للصراع الأوروبي ـ الأوروبي في مجموعة من المقالات.
من أبرز مسرحياته: الذئاب ( 1898 )، انتصار العقل ( 1899 )، دانتون (1900 )، انتصار الحرية ( 1917 ). ومن أبرز كتبه التي تتناول سِيَر المشاهير: حياة بيتهوفن (1903)، حياة تولستوي (1913)، مهاتما غاندي (1926).

٭ كاتب أردني

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى