صومعة حسان.. نتاج العهد الذهبي بالمغرب

( الجسرة )

المغرب هي بلد ذات سحر خاص تمزج بين تدين الدراويش وبين حداثة الغرب، فأنت في كازبلانكا تستطيع أن تعيش وكأنك في شاطئ ومنتجع أوروبي، وفي مراكش تشعر بأجواء أفريقيا وسط الحواة الذين يلعبون بالأفاعي والثعابين، وفي الرباط تتحرك وسط مقاصد سياحية لمدينة حديثة وسط متاحف وملاهي وأماكن أثرية.

لكن في نفس الوقت تتميز المغرب بما يمكن أن يطلق عليه “سياحة التصوف”، حيث يمكن لهواة مثل هذه السياحة التنقل بين صوامع المتصوفين التي تشتهر المغرب بها، والتي بناها أتباع عشرات بل مئات الطرق الصوفية في المغرب.

في الفترة من 1197 – 1198 تم تأسيس صومعة حسان، التي تعد من المباني المتميزة في عصر دولة الموحدين، بأمر من السلطان يعقوب المنصور – ثالث خلفاء الموحدين ببلاد المغرب – تولى الحكم منذ عام 1184 خلفا لوالده السلطان أبي يوسف المنصور، كان يسمى عصره بالعهد الذهبي، نظرا لإنجازاته المتعددة التي امتدت من تونس إلى إسبانيا، فقد شيد الكثير من البنايات التاريخية الضخمة مثل مسجد الكتبية في مراكش، وصومعة حسان التي شرع في بنائها بالعاصمة المغربية الرباط أعلى رابية تطل على الضفة الجنوبية لنهر الرقراق، الذي يتوسط مدينتي الرباط وسلا بالقرب من مصبه الرئيسي بالمحيط الأطلسي، مقابلة لقصبة الأودية المحاذية للنهر، حتى وافته المنية قبل استكمال بناء المبنى عام 1199.

وظلت صومعة حسان البناء الوحيد الذي استفرد بالرابية، لا يزاحمه سوى ضريح الملك محمد الخامس الذي شيده ابنه الملك الحسن الثاني له، ودُفن به أخوه الأمير عبدالله، ثم ما لبث أن التحق هو بهم، حتى أصبح الثلاثة داخل الضريح الذي يقع على مقربة من صومعة حسان، التي توسعت شيئا فشيئا بإشراف السلطان يعقوب، حتى أصبحت إحدى الشقيقات الثلاثة لصومعة الخيرالدا بإشبيلية والكتبية بمراكش، أطلق عليها بعد ذلك مسجد حسان، نسبة إلى قبيلة “بنو حسان” التي كانت تستقل مدينة الرباط قديما.

وكان يهدف السلطان يعقوب الموحدي من بناء صومعة حسان، أن تصبح مدينة الرباط من أعظم وأهم المدن التاريخية بالمغرب، وأن تكون العاصمة الجديدة بعد مدينة مراكش، تخليدا لعصر الدولة الموحدية من خلال الاهتمام بمرافقها، وبناء مداخل وأسوار كثيرة تحيط بها، ولكن توقف السلطان يعقوب عن بناء المسجد لفترة قبل وفاته عندما رأى أن الرباط لم تعمر بالصورة التي كان يأملها، خاصة أن الدولة الموحدية في تلك الفترة انشغلت كثيرا بمشاكل الأندلس وتأثير الزحف المسيحي عليها.

وشيدت صومعة أو مسجد حسان بأحجار متينة حتى تحفظها من رطوبة البحر على مساحة مربعة الشكل تبلغ 26 ألف متر مربع، لذلك يعد هذا المسجد من أكبر المساجد في العالم الإسلامي، ويبلغ ارتفاعها 44 مترا بعرض يصل إلى 139 مترا، كما أن مساحة كل ركن من أركانها المختلفة يبلغ 16 مترا، تميزت عن غيرها من الصوامع الأخرى بوجود مطلع داخلي ملتو، يهدف منه الوصول إلى أعلى الصومعة ويؤدي إلى ست غرف طابقية.

ويحيط الصومعة سوران أحدهما داخلي يتكون من ثلاث جهات فقط، والآخر خارجي بقي مائلا يبلغ علوه تسعة أمتار، تتوسطه من الجهة الجنوبية الشرقية بوابة ضخمة يرافقها يمينا ويسارا تمثالان لجوادين يعلوهما فارسان بلباس مغربي ومجموعة من الأعمدة الحجرية، بالإضافة إلى 16 بابا.

يحاذي المدخل الرئيسي للصومعة مساحة شاسعة تمتلئ بعشرات الأعمدة التي نحتت بشكل دائري، ويوجد بجوار هذه الأعمدة حديقة تضم العديد من الأشجار والنوافير. تم استخدام مواد شديدة المتانة في بناء جدران الصومعة الخارجية وواجهتها، مثل الحجر المنحوت والجص والآجر والحجر الرملي، كما زينت بالعديد من النقوش المغربية القديمة التي ترجع إلى القرن الثاني عشر.

وتحتوي الصومعة على منارة شيدت بجدران سميكة يصل عرض جوانبها 16 مترا، لتحقيق التوازن البنائي بينها وبين جدران الصومعة، خاصة أن ارتفاعها يبلغ 65 مترا وفقا لتقديرات بعض الخبراء، ويتميز النمط الهندسي لمنارة الصومعة التي بنيت من الحجر الصلد عن المنارات الأخرى، بكونها تتلاقى مع محراب الصومعة على خط مستقيم، حيث شيدت وسط أحد ركني الصومعة المقابلة للمحراب، الذي ينحرف جداره نحو الشرق بخلاف جميع المساجد المغربية التي تنحرف جدران القبلة بها نحو الجنوب الشرقي، كما تحتوي الصومعة على بيت للصلاة يضم من الداخل عددا من الأعمدة الضخمة تتخللها أعمدة صغيرة، بنيت من الآجر بعلو يصل إلى 40 مترا، يهدف من وجودها بناء قباب صغيرة أعلاها تصل إلى السقف حتى تتساوى مع الأعمدة الكبيرة بطريقة فريدة.

ويقترب من منارة صومعة حسان صحن كبير يتوسط صحنين آخرين يقعان على جانبيه، مما يميزه عن غيره من مساجد المغرب التي تكتفي بوجود صحن واحد، يتوسطه آبار يصل عمقها إلى سبعة أمتار، بينما يبلغ طولها 69 مترا، ويحتوي على مجموعة من الأعمدة مستديرة الشكل، يصل ارتفاعها إلى ستة أمتار، بنيت من الحجر والرخام للحفاظ على متانة السقوف، وتتكون هذه الأعمدة من أجزاء مختلفة غير متناسقة بهدف تزيينها بطريقة تميزها عن بقية الأعمدة التي توجد في مساجد الرباط، بالإضافة إلى عدد آخر من الأروقة التي تمتد بامتداد سور الصومعة المتجه إلى الغرب.

ويقول د. جابر الريحاني، الخبير الأثري: إن الموحدين اعتادوا الاهتمام بعناصر الضخامة والبساطة في بناء مساجدهم وقصورهم، مثل المرابطين الذين أهملوا عنصر الزخرفة مقابل متانة مبانيهم، لذلك تميزت الأبواب الداخلية لصومعة حسان بضخامتها وارتفاعها، حيث فاق ارتفاعها ارتفاع الجدران وبلغ 10 أمتار، وكان يصعد إليها من خلال درجات رخامية تحاط بجدران بنيت من الجص.

ويضيف الريحاني قائلا: إنها تميزت أيضا بوجود قنوات مائية تختلف عن آبار الصحن المركزي للصومعة، تهدف إلى حفظ المياه وتستخدم بديلا لفسقيات الوضوء التقليدية، تحاط هذه القنوات أسفل الأرض ببلاطات من الجص لأنها تمتد بعمق يصل إلى ثلاثة أمتار، يخرج من جوانبها السفلى أشرطة مائية تربط بينها وبين قنوات خارجية تقع بجوار سور الصومعة.

المصدر: ميدل ايست اون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى