الناي يجرح الشاعر

في مدونته الشعرية العاشرة كما يقول الشاعر أحمد الخطيب، يذهب الشاعر الأردني عمر أبوالهيجاء إلى إقامة جملة من التشابكات المرئية الواقعة بين ما هو سردي وما هو شعري، حيث يتسلل الإيقاع إلى فضاء الشعر من خلال الضغط الذي تمارسه غواية الموسيقى على بنية النص، بينما تتجه الأفكار وحقولها في مادة القول إلى السرد عبر ما تمارسه من تطلعات إلى إنجاز مسيرتها دون الالتفات إلى ضغط الإيقاع، وهو ما يجعل النص يقف حائراً بين ديمومة أن يكون نصاً موزوناً، أو نصا يضارع مساحة النثر بعيدا عن تبعية هذا الوزن، والالتفات إلى جسارة النثر.

وكذلك بين فضاءات الذات، على الصعيدين الفردي والجمعي، وبين مفردات الراهن العربي المعيش، يحلّق الشاعر عمرأبو الهيجاء في هذا العمل الشعري الذي زاوج به بين القصيدة الموزونة وقصيدة النثر، ضمن رؤى فلسفية تستقرىء المعطى اليومي وتقف على التفاصيل وشؤون الحياة وما آلت إليه الأمور في الواقع المأزوم.

في مجموعته الجديدة «ويجرحني الناي» الصادرة حديثاً عن الأهلية للنشر والتوزيع، والواقعة في 176 صفحة من القطع الوسط، ينظر أبوالهيجاء إلى آفاق جديدة في تجربته باحثاً عن معالم أخرى لهويته الشعرية، حيث الاتكاء على الأمكنة، والتفاصيل الدقيقة لعلاقته بما حوله، والخروج من سلة الاتجاه الواحد للمعاني، وفيها أيضاً ينزع إلى النص القصير، والنص الهامش المتواري خلف الذكريات، والنص الذي تتسع شهيته للامتداد رغم وقوفه على حافته.

تتصل العتبات الرئيسة التي تأسست عليها المجموعة بفضاء كلي محجوب عن سريانه في جسد النص، من مثل: ثلاثية القلب، ليل وحيد، غيوم الحرف، عطش البحر، وغيرها، فيما تأتي العتبات الفرعية التي اتخذها كإطار نافذ للوصول إلى الفكرة معبأة بالوضوح، من مثل: كأس المحبة، ظل خائن، أيها السالك مسلك القصيدة، كن ما تكون، الذئب، وغيرها، هذا الوقوف على التقسيم الرئيسي والفرعي أتاح للنصوص إمكانية التشابك والتداخل.

يرى الشاعر شوقي بزيع أن الشاعر يجانب الوقوع في فخ الايدولوجيا والتحريض السياسي الإنشائي الذي وقع فيه كثير من الشعراء الفلسطينيين والعرب، ففلسطين هنا لا تحضر بالأصالة عن نفسها فحسب، بل نيابة عن الأشياء المفقودة أيضا، كما بوصفها رمزا للأماكن والأزمنة التي تمت خسارتها.

ويشير بزيع في كلمته التي جاءت على الغلاف الأخير للمجموعة بأن نصف المجموعة رثاء للعالم، ونصفه احتفال بالصداقة والمرأة والسفر والحب، نصفه للكشف ونصفه للغناء على طريق الفقدان، وحيث الشاعر في الأزمنة الصعبة لا يملك الكثير لكي يفعله، فإن الجملة الاسمية تطغى على ما عداها، وتتحول إلى تعريفات موجزة للظواهر والأشياء شبيهة بالحكم والتوقيعات والأمثال السائرة.

عمر ابو الهيجاء -يجرحني الناي- الجسرة

ومن أجواء المجموعة نقرأ من قصيدة “ظل خائن”:

« يمشي معي

أحاوره في الضوء

أتسابق في الممرات معه

في الشوارع

في المقاعد

في الحافلات

في الحدائق الكسلى

كان يعانق الأشياء بلون واحد

حين يصل

ظل خائن خان

شبيهة في المرايا

بقيت مريضا به مثل عجوز هرم

لا تراني الجهات

ظل ينام في سريري

يحلم عني

ظل خائن لا يرى سواه”.

وأبوالهيجاء نفسه كان أصدر عددا من المجموعات الشعرية، وهي: «خيول الدم»، دار ابن رشد، عمّان، 1989. «أصابع التراب»، قدسيّة للنشر والتوزيع، إربد، 1992. «معاقل الضوء»، دار الينابيع، عمّان، 1995. «أقل مما أقول»، دار الينابيع، عمّان، 1997. «قنص متواصل»، دار الكرمل، عمّان، 2000. «يدك المعنى ويداي السؤال»، دار الينابيع، عمّان، 2001. «شجر اصطفاه الطير»، أمانة عمّان الكبرى، عمّان، 2004. «أمشي ويتبعني الكلام»، أمانة عمّان الكبرى، عمّان، 2007. «على مهلك أيها الليل»، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2009. «بلاغة الضحى»، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى