«صيف» متعدد التيّارات اللونية

( الجسرة )

غنيّ عن القول إن ما يميّز المعارض الجماعية عن سواها هو التنوّع البديهي في ما تتضمّنه من مواد، أكان من حيث موضوعاتها أم من حيث علاقة كلّ من الفنانين أصحاب الأعمال بمسألة التشكيل. بيد أن الفائدة العملية لمعارض من هذا النوع تدور حول إمكانية المقارنة بين هذا العمل أو ذاك، ورصد التوجهات الفنيّة للجيل الجديد من التشكيليين، الذين يشـــكلون الفئة الغالبة ممّن عُلقت أعمالهم في غاليري «آرت سبايس ـ حمرا»، ضمن «معرض الصيف».
صحيح أن معظم الأعمال الموجودة كان تمّ عرضها خلال الفترة الماضية، منذ خريف العام 2015 وحتى الآن، لكن اجتماعها في زمان ومكان وحيدين يمكّننا، بداية، من ملاحظة أن الإتجاه التمثيلي، بما يعنيه من إرتباط بالواقع الموضوعي، وبدرجات متفاوتة ما بين هذا الفنان أو ذاك، هو الإتجاه الغالب، في حين أننا نشهد انحساراً نسبيا للتجريد، علماً أن المسافة الفاصلة بين الإتجاهين أصبحت واهية في بعض الحالات، نظراً «للنهج الإكلكتيكي» الذي يلجأ إليه كثيرون. هذا الأمر، الذي يتجلى بما شاهدناه لدى غاليري «آرت سبايس»، يبدو أنه ينسحب في أشكال مختلفة على ما شهدناه، أيضاً، في أمكنة ومواقع أخرى…
على أن هذا القول لا يعني الإنصراف عن التيّارات الحديثة وتجاهلها، على ما تثيره العلاقة بها من نقاشات وتأليف، بل يبدو أن العكس هو الصحيح، إذ أن أعمال أنس البرايحي، على سبيل المثال، التي تصوّر إناساً في مواقف من الحياة العادية، تحمل بعداً لونياً وتأليفاً يشيان باحترافية ظاهرة، بالإضافة إلى الوقوع تحت تأثيرات يمكن ردّها إلى إتجاه ما بعد الانطباعية. في حين أن شخصيات منى نحله أقرب في تمثيلها إلى التعبيرية الألمانية، مع ضرورة الإشارة إلى المقاربة الشخصية للفنانة في اعتماد نهج «غرافيكي» لتحديد معالم الشخصيات. أما مشاهد ليلى كبة وكريم ريزان، المشتقّة من الطبيعة وممّا بناه الإنسان في أحضانها، فتتضمّن أجواء حلمية، وربما هي تعرّج صوب ذكريات باقية في الذهن من زمن مضى، يكرّسها لون محلي ينحو إلى الإحتفاء بالأجواء المذكورة، وهذ الإتجاه يمكن رصده لدى فتاة بحمد في علاقة أعمالها الواضحة بموضوع الطبيعة، كما بالخيارات اللونية التي تلعب دوراً حاسماً في تبيان مفاصل التيمة الرئيسية.
هذا اللون لا يشكّل همّاً بالنسبة إلى رسمي الخفاجي الذي تميّزت أعماله، ذات البعد الأقرب إلى الفلسفة، باعتمادها الأبيض والأسود، وما يمكن أن يشتق من تفاعلهما، كما أن هذا الأمر ينطبق، إلى حد ما، على ما تقوم بصنعه آني كوركدجيان، التي تنصرف إلى تمثيل أجواء إجتماعية ونفسية تحاول من خلالها الغوص في أعماق النفس الإنسانية، وقد تكون لأعمالها دلالات تاريخية. البورتريه الموجود في الصالة، العائد إلى فاخر محمد لا يرسم شخصية معروفة، بحسب اعتقادنا، بل يعمد إلى تكوين الوجه من خلال التجاور بين مقاطع لونية، تتماثل مع قرينات لها تشكّل الخلفية، في حين يعمد رياض نعمه إلى تأليف غير عادي للوحته الممتدة أفقياً، ويتوسطها بورتريه يقسم العمل قسمين تغطيهما ألوان شبه محايدة. لوحات محمود أمهز الموجودة في المعرض لا تبتعد عن الأسلوب الذي إتبعه أمهز في أعماله منذ فترة غير قصيرة، والقائم على أسس أقرب إلى التجريد، ما لم تكن تجريدية بالكامل، وتنحو إلى نمط المنمنمات. أما لوحات مازن خدّاج، الصغيرة الحجم نسبياً، فهي ذات أسلوب غرافيكي ومساحات لونية مسطّحة، تضاف إليها كتابات باللغة العربية تمتزج مع إشارات ورموز. أعمال غادة زعبي، التي كنا شاهدناها قبلاً وعالجنا بعض مفاعيلها، وهذا الأمر ينطبق على أعمال أخرى موجودة في المعرض، تمزج ما بين بعض مظاهر الخداع البصري ضمن مشاهد من الحياة اليومية.
قد تكون غابت عنا، في هذا السرد، أعمال أخرى لا يسمح المجال بذكرها كلّها. لكن يتوجب القول أن المعرض الصيفي يشكّل مناسبة للتعرّف على نتاج فنانين عديدين، في حال كان المتلقّي فوّت فرصـــة مشاهدتها في الفترة السابقة، كما ستتوّفر لديه الفرصة للمقارنة والتمييز وإبداء الرأي، كما ذكرنا في بداية مقالنا هذا.

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى