«المهرجان القومي للمسرح».. طاقات مقاومة في غياب النص

( الجسرة )

*وئام يوسف

الجدّة والتنوّع هنا أكثرُ ما اتسمت به «الدورة التاسعة للمهرجان القومي للمسرح» (19 تموز ـ 8 آب)، وبرغم التعثّر بمطب الملل الناتج عن ضيق فلك بعض النصوص المختارة، إلّا أن رقعة الفرق المشاركة قد امتدت لدرجة أن مدينة «شلاتين» (أقصى الجنوب المصري)، أصابتها حمى المهرجان إلى جانب أقاليم أخرى كسوهاج ومرسى مطروح وبورسعيد وقِنا وغيرها، ما جعل منه، الملتقى المسرحي الأكبر على مدار العام وبخاصة أنه يضمّ القطاعات الثقافية كافة: «المسرح الجامعي»، «العمالي»، «مسرح الهواة»، «الفرق المستقلة» وغيرها، والتي تقدم أكثر من 35 فرجة مسرحية أشعلت مسارح القاهرة.

اعتلى اسم الراحل نور الشريف (1964ـ2015) هذه الدورة المهداة للمبدع الذي قدم عبر أربعة عقود إنجازات فنيّة، اعتبرت من عيون السينما المصرية، كذلك أفرد نور الشريف مساحة من مشواره للمسرح، فقدّم ما يزيد عن 8 مسرحيات منها «روميو وجولييت»، «بكالوريوس في حكم الشعوب»، «الأميرة والصعلوك» وغيرها. كذلك كرّم المهرجان كوكبة من رواد المسرح الذين ساهموا في تشكيل دعائمه عبر العقود السابقة، منهم الدكتور محمد العناني أحد المشاركين في مجلة المسرح منذ تأسيسها 1976، ثم رأس تحريرها حتى منتصف العقد الثاني من القرن الـ21. ولا يُخفى على أحد ما قدمته المجلة من نقد وإبداع وانفتاح على الثقافة العالمية، كما قدم العناني ترجمات لمسرح شكسبير اتسمت برؤية خاصة في الأسلوب والترجمة، له أيضاً كتب تضمّنت أسساً واضحة للنقد المسرحي وفن الترجمة.

ناجي شاكر «مبدع الماريونت»، هذه المجسمات الصمّاء، التي تحولت على يده إلى شخوص نابضة بالحياة والبهجة، فكانت عروضه محطات في تاريخ «مسرح العرائس» في مصر، لهذا استحق أن يكون عميد هذا الفن ومؤسسه منذ العام 1959 وأن يكون أحد المكرمين في المهرجان القومي للمسرح لإنجازات امتدت على مدار سبعة عقود من الزمن. والتفت المهرجان أيضاً إلى فريدة النقاش، إلى هذا الصوت النقدي البارز على مستوى العالم العربي، المنحدرة من أسرة آثرت الفكر العربي في الفكر والفن والثقافة، فعميدها الشاعر عبد المؤمن النقاش ابن «مدرسة أبولو». أكثر ما يميز تجربة فريدة النقاش التصاقها بالهوية سياسياً وإبداعاً وثقافة. ومن الأسماء اللامعة في فضاء المسرح العربي والتي استحقت التكريم أيضاً في هذه الدورة الفنان عبد الرحمن أبو زهرة وعبد الرحمن الشافعي «أيقونة المسرح الشعبي في مصر».

عروض المسرح الجامعي لهذا العام كانت على درجة عالية من التألق، تؤكد الناقدة نهاد صليحة أحد أعضاء اللجنة العليا لإدارة المهرجان، مشيرة إلى أن العرض الجامعي «قواعد العشق الأربعون» المأخوذ عن رواية تحمل الاسم عينه للتركية أليف شافاق، يحمل طرحاً مميزاً وجريئاً في ظلّ المرحلة الراهنة بالإضافة إلى الأداء الجيد لممثليه، وقد أعدّ العرض وأخرجه محمد فؤاد عابدين. وتلفت صليحة إلى الحضور الخاص الذي حققه بعض المخرجين الشباب والذي ينافس بقوة مسرح الدولة «المخرج محمود جمال قدّم في عرض «الحضيض» فرجة مسرحية على درجة عالية من الإتقان على صعيد الرؤية الفنية والأداء. هناك أيضاً عرض «الزومبي والخطايا العشر» إخراج طارق الدويري الذي أتقن استخدام الوسائط المتعددة ـ المالتي ميديا ـ فأغنى المسرحية وجذب المتلقي منذ لحظاتها الأولى».

وتضيف نهاد صليحة في حديثها لـ«السفير» بأن عروض المهرجان، لهذا العام، وقعت في مطب النصوص المتكررة «فلك النصوص كان ضيقاً جداً تحديداً في مسرح الهواة والأقاليم، لدرجة أن بعض النصوص مقدمة من 4 عروض في الوقت ذاته كعرض «ظل الحمار» لفريدريش دوربنمات الذي دخل المهرجان بعرضين أحدهما «للبيت الفني للمسرح» وآخر عن «الهيئة العامة لقصور الثقافة» كذلك مسرحية «ساحرات سالم» للروائي الأميركي آرثر ميللر التي شاركت بعرضين».

فضاء المقاومة

ولأن المسرح فضاء المقاومة الحقّة، فقد خصص المهرجان ندوته الرئيسة للحوار، حول مقاومة الإرهاب، طاعون الزمن الذي نعيش، والذي ألقى بظلاله على كافة النواحي. وتتخلل المهرجان منصتان عن المسرح والإرهاب، الأولى تركز على مفاهيم وأشكال وخصائص مسرح المقاومة في العالم منذ نشأة المسرح حتى اليوم، يديرها محمود عطية بمشاركة أسامة أبو طالب وحاتم حافظ وخالد أرسلان. والمنصة الثانية حول دور المسرح المصري عبر التاريخ في مقاومة الإرهاب في كل أشكاله مع استعراض بعض التجارب العربية والمصرية التي وقفت على ذلك. يشارك في الندوة عمرو دوارة عصام السيد هدى وصفي.

نجح المهرجان في خلق لغة للتواصل بين الفرق المسرحية في جميع أنحاء مصر، فضلا عن تعزيز التواصل بين أجيال فنية فرقتها الأعمار وجمعها حب المسرح ومنصته التي أثبتت عبر التاريخ أنها المكان المثالي للتعبير والتغير والانطلاق نحو الأفضل.

(القاهرة)

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى