روائح زكية من بغداد القديمة

( الجسرة )

*قيس مجيد المولى

قبل أن تصل “ميدان بغداد” الحافل بالوقائع تكون وزارة الدفاع القديمة الى ساعدك الأيمن، وماهي إلا أمتار ويقابلك “سوق الهرج” حيث البسطاء المعدمين من الناس، ومنذ تلك الأيام العتيقة يبيعون ما لديهم من المواد المستهلكة أو يقايضونها بعضهم مع البعض.

وما أن ترفع ناظريك يقف شامخا أمامك جامع الأحمدي ثم تقودك قدماك صوب باعةَ الخواتم والمسابح ولكثرتهم فقد احتلوا الجزء الأكبر من السوق،.

وفي هذا السوق “الهرج” يطالعك مسجد صغير جدا وهو عبارة عن دار حوّلَت الى مسجد معتنى به على واجهته قطعة تعريفية “مسجد أسماء خانم” يعود الى العام 1916، وهناك في هذا السوق رجال يمارسون أنواعاً مختلفةً من المهن القديمة وجلها من المهن اليدوية.

ما أن تخرج من السوق وتبدا بدايتك في شارع الرشيد من جهة الباب المعظم وأنت تسير بإتجاه الرصافي تشم روائح زكية من مقاهٍ قديمةٍ في العمر، منها “مقهى ديكان” وجوارها مقهى “السيدة أم كلثوم”، وعلى خطواتٍ تتربع شامخةً بتاريخها وروائحها الأدبية “مقهى الزهاوي” التي تطل على شارع الرشيد والشارع الفرعي الذي يؤدي الى مديرية الشرطة العامة القديمة، والشارع المذكور يسمى بـ “شارع حسان بن ثابت” وفي هذا الشارع تتراصف محال “الدوشمة”.

خطوات أخرى وترى على الجانب الأيسر “كعك السيد” الذي يقابله “شربت الحاج زبالة” والذي يبلغ من العمر 116 عاماً، ولا يزال حيويا وحياً يرزق.

بعد شربت الحاج زبالة دُكيكن صغير لرواف توارث الروافة مذ أكثر من 100 عام وحين سألناه عن هذه المهنة قال بألف خير، ولا يزال العديد من الناس تأتي لريافة بنطال أو سترة أو أي ملبس آخر، صاحب هذا المحل يدعى عبد جاسم السامرائي في محله الصغير تشم روائح بساطة أهل بغداد وجديتهم وأخلاصهم في هذه المهنة.

خطوات أخرى ونصل “مقهى حسن عجمي” وكم حفلت هذه المقهى ومنذ الأربعينيات بالسجالات الأدبية، وكم من جيل سلم للجيل الآخر الريادة، وكم لمعت أسماء أدبية وفنية من هذه المقهى، ومعماريتها تدل على قدمها وأنتمائها لبغداد القديمة وبالمقابل لهذه المقهى يقع جامع الحيدر خانة العريق أيضا بتاريخه. وتجري عليه حاليا بعض أعمال الترميم.

ونواصل السير لندخل المتنبي ونشاهد قدم الأبنية المطلة عليها والأزقة الضيقة وقد تحولت أبنيتها الى مطابعَ أو مخازن لمواد الطباعة (كالورق والأحبار… وغيرها) لنصل بعد ذلك لمقهى الشابندر والتي تسمى الآن بمقهى الشهداء بعد الحادث الإجرامي الذي حدث في شارع المتنبي، في هذه المقهى التي جلسنا اليوم وشربنا شايها وكتبنا بعض الملاحظات، شاهدنا في جلستنا العشرات من الصور لشخصيات عاصروا حقبا مختلفة من تاريخ العراق وصورا لأماكن تراثية قديمة وصورا للحياة الإجتماعية في جنوب العراق وشماله.

بعدها اتجهنا لسوق الكتب القديم “سوق السّراي” وتركنا خلفنا “سراي الحكومة” وواقعة الإنكشارية، لنصل الى جسر الشهداء حيث نهر دجلة وطيوره وعذوبة مائه وتاريخه.

في رأس الجسر يقع مزارُ الشيخ الكليني ثم المدرسة المستنصرية وحين تدخل من جهتها اليسرى فتلتقي وأحد الأسواق التي تشم بها رائحة العرائس وهذا السوق هو “سوق دانيال” الذي يباع فيه ما تحتاجه العروس لعرسها ولكنه تحول الآن الى بيع مواد الخياطة وملحقاتها من التطريز والدانتيل وبطريقة البيع بالجملة.

وهذا السوق معروف للبغداديين بقدمه، توقفنا في جولتنا الى هنا والتقطنا عددا من الصور وهذه الصورة من ذلك البعض، نلتقيكم وجولة أخرى في مكان آخر من بغداد الروح ومن جغرافيا أخرى، لنشم المزيد من روائح الماضي الزكية.

المصدر: ميدل ايست اونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى