عصيّة على الشعور.. للقاصة مُسيَّد المومني

خاص ( الجسرة )

قَدر هذا الخدر، التبخر
كانت تشتهي لو حدث، لكن رقعة التسرب اتسعت في أوردتها، بِدءا من انفجار هوى بمعدتها.
لم يكن على والدتها أن تعبّر عن استيائها كلما حاولت أن تفضفض لها عن مشاعر كرهها المتزايد لزوجها حتى لو من خلال استرشادها بأحد أمثالها الشعبية : “اللي مو بإيدك بكيدك”.
– صدقتِ ، فلو كان الأمر بيدي لما تزوجت منه، ولما عانيت الكآبة طوال الشهر المنصرم، لكن كأنما صحوتُ من حلم لأجدني زوجة لأحدهم، ألم يكن بإمكانك إسداء نصيحتك لي بالتروي قبل موافقتي على الزواج، تخيُلي للحياة الزوجية لم يتعد عن كونه يوم زفاف أرقص به حتى أتعب دون أن يتبعه الكثير الكثير من مسؤوليات فاقت طاقتي على التخيل والتحمل.
توجب على والدتها أن تبتلع مثلها حتى لو غصت به، فبدلا من تلقيمه لأذنيها بقصد إضفاء العقلانية على تصرفاتها المتلاطمة، دكتها دفعة واحدة بقبضتيها حتى أدمى زجاج المرآة المتطاير راحة يدها.
الدماء المتجمهرة باتساع بقعة يزيد كلما تتابع سقوط القطرات على الأرض خثّرَ الدماء في مقدمة أنفها، زفرت، تنهدت، لا طاقة تسند آمالها، بُعثِرت كريش طائر جريح حمله خيالها لبقعة أرضية تسكنها وحدها، فبصقت غلّها في وجه البرود .
تمنت حينها لو أنها تجتث جذوره وتغرسها في قلبها لينمو بين ضلوعها،
لو أنها تمزق مدينتهم قطعا صغيرة، ترقع بالجزء الذي يضمه نزفه من قلبها.
لم يعد للأماني من داعٍ، فالإجابة سكين، والوعي نهاية.
توجهت للخزانة، فتحت بابها فانهارت أكوام الملابس فوق رأسها، تربعت على الأرض وأجهشت بالبكاء.
علاج للنفور يا الله…
– ما كل هذه الفوضى… نظر في وجهها: أتبكين؟
– نعم أبكي حظي العاثر فيك، همست لنفسها وأعطته ظهرها.
– مضحكة أنتِ، قليل من الأعمال المنزلية المتراكمة تدفع بك للبكاء! فعلا أنكِ طفلة.
هل يوجد وسيلة لإفهامه بأنني أتمنى لو سقط هذا السقف فوق رأسينا لعلِّي أتحطم وأرتاح من عيشتي معه.
هل عصيّ على ملامحي الساخطة عليه أن تعبر له عن أن تواجده في نفس محيطي سبب رئيسي للإجهاز على ما تبقى من أثاث هذه الغرفة، وأن الحيز المكاني آخذ بالتقلص على حساب تمدد زمني يربطها شرعيا به!
– لماذا لا تتحدثين معي، منذ تزوجنا وأنتِ في انغلاق مستمر على نفسك؟ أشتهي نقاشا بيننا حتى وإن كان صياحا، تحدثي إليّ يا امرأة.
– لعل حرفا ساكنا يخرس لسانك فلا تنطق بعدها، ابتسمت لهذه الفكرة.
– ابتسم بدوره، أأعجبتك فكرة الصياح عزيزتي! طوّق خاصرتها، تلّقف كفها، انزلقت أصابعه، صاح: دم، أأنتِ بخير، يا إلهي الكثير من الدم… ماذا فعلتِ بنفسك! ألن تتوقفي عن معاقبتي على زواج وافقتِ عليه بملء إرادتك!
أمسك ذقنها، ضم شفتيها بين أصابعه، كز على أسنانه: لم أكن تجربة لكِ حتى تقرري أن الحياة معي لا تعجبك، وأن لا حل بيننا إلا الانفصال، لن تحصلي على الطلاق ما دمت على قيد الحياة، ستدفعين ثمن لهوكِ بمشاعري!
– ضحكت بهستيريا: سأتخلص مني علِّي بذلك أتخلص منك.
– جرها ناحية المرآة المهشمة، طالعت انعكاس وجهها، مشوها: يكفيني أن ينال منكِ ..سخطكِ علَّي.
دفعها ناحية الأرض، أغلق الباب على صراخها: أكرهكَ أنا أكرهكَ ألا تفهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى