مسرحية المتحذلقات في دمشق

خاص ( الجسرة )

*لمى طيارة

مازال في دمشق ما يستحق الحياة ، ليست جملة اعتباطية لموضوع نقدي ، بل هي الحقيقة التي مازلت تتأكد لي يوميا عبر ما تبقى من شوارع دمشق الآمنه ، وعبر النشاطات الشابه النابضة بالحياة والتي تقول لنا كل يوم ، ليس بالطعام والامان نحيى فقط ، بل بالثقافة والفن .
فمنذ ايام انتهى عرض تخرج طلاب السنه الرابعه للفنون المسرحية قسم التمثيل ، وهو العرض الذي اشرف عليه الممثل السوري بسام كوسا ، لنص مسرحي هزلي لموليير ، (المتحذلقات السخيفات) وهو أحد اشهر أعمال موليير ، وكما تذكر المراجع انه العمل الاول الذي قدمه موليير على المسرح وهو في سن (38) ، و نجحت هذه المسرحية نجاحاً باهراً ، ونالت رضى الملك الذي أغدق عليه العطايا والهبات، ولكن السيدات المتحذلقات اللواتي سخر منهن موليير حقدن عليه ودمرن مسرحه ، وعندئذ بنى الملك لموليير مسرحاً خاصاً به.
كتب موليير حوالي 30 عملا مسرحيا ، لكنه في أي من تلك الاعمال لم يركز على الطبقات العامة من الشعب، بقدر تركيزة على طبقة النبلاء والبورجوازية ، في محاولة منه لكشف عيوب تلك الطبقة وإبراز نواقصها ، كل ذلك عبر إستخدام قالب كوميدي ، يعتمد على”الفارس” و كوميديا الموقف والرسم الكاريكاتوري، بالاضافة لبراعته في إختلاق المواقف المضحكة الناتجة عن سوء الفهم أو الالتباس.
ومسرحية (تكرار) القتبسه عن (المتحذلقات السخبفات) تدور حول نفس الاطار الهزلي الكوميدي ، حيث يحاول موليير ان يقدم نموذجا لاسرة فرنسية من حديثي النعم (النبلاء المترفين المزيفين)، القادمه من الريف الى المدينة ، حاملة معها كل العقد والتفاهات التي تحملها هكذا طبقة ،والتي ستكون لاحقا سببا في رفض فتاتي الاسرة العرسان المتقدمين لخطبتهما بطريقة نابية ولأسباب واهنه وتافهة ولا تحمل أي قيمة أو تقدير، وتؤدي للتهلكة والدمار على تلك الاسرة في نهاية العرض، لآن شابين من هؤلاء العرسان يقررا الانتقام من الفتاتين من خلال مؤامرة يشناها عليهم فيرسلا خدمهما للايقاع بالفتاتين المهبولتين .
صحيح انه لبست المرة الاولى التي تلفت المسرحية نظر المخرجين ، فمنذ عشرات السنوات كانت موضع إهتمام المخرج الكبير جلال الشرقاوي الذي أعّدها لتكون ملائمة لعرض مسرحي في مصر من بطولة كل من محمد صبحي وحسن حسني و الهام شاهين وليلى جماده..
لكن لماذا فكر بسام كوسا بهذا النص وأعاد إستحضارة اليوم ، ولماذا بسام كوسا الذي لم يكن يوما مخرجا أو خريجا اكاديميا (لم يتخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية) بحسب بعض الصحفين والنقاد . أصبح مشرفا على مشاريع تخرج طلاب التمثيل لعامين متتالين (2013-2016)
الشطر الاول من السؤال مشروعا ويمكن تأويل اجابته أما الشطر الثاني فكان مجرد إشاره إعجاب وليس تعجب، فالكل يعرف مقدرة هذا الرجل كممثل ، وفي الحقيقة أثبتت نتائج العرض ، ان بسام كوسا مخرجا مسرحيا بارعا يشار له بالبنان .
قام بسام كوسا باعداد النص المسرحي برؤية جديدة كليا ، فقسم العمل الى ثلاثة فصول لا استراحة حقيقة فيها، سوى ما يقتضيه الزمن لتغيير الديكور وربما الملابس ، ورغم ان المخرج قد بادر العرض بالتفصيل الذي فرضه النص المسرحي الاصلي ، عائلة فرنسية برجوازية من طبقة النبلاء المزيفين ، القرن السابع عشر(عصر النهضة)، الا انه تابع سرد فصول العرض محاولا اللعب على الاجواء والبيئة الشامية بحيث تبدو مألوفة ومحببة للجمهور المتواجد في المسرح ، فحاول ان يحيل القصة الى عائلة برجوازية من طيقة البشوات وسيدات الصالون التي تعيش في احياء دمشق القديمة (القرن العشرين) نهاية الاحتلال العثماني، ملمحا بشكل أو بأخر الى الطريقة التي تناول فيها مسلسل باب الحارة الشخصيات النسائية وعلاقتها بالرجل، مستخدما بشكل مرمزالموسيقا التصويرية للمسلسل كدلالة مباشرة على ما اراد الرمي له، وانهى العرض بأسرة تعيش في وضعنا الراهن بكل ما يحمل الواقع من زيف وأقنعه .
في الازمنة الثلاثة حاول المخرج رفقة الدراماتورج ان يؤكد على مقولة العمل والهدف الذي يسعى له مولييرمن فضح لزيف تلك الطبقات التي تتلاعب بمصائر البشر في كل زمان وعصر، رغم انها كطبقة تعيش في دوامة الغباء والجهل رغم كل الثراء الفاحش الذي يحيطها …وغلف المخرج عرضة المسرحي بمونولوج افتتح وأختتم به العرض، ويدور عن تشابه البشر وعدميتهم في كلّ الأزمنة، «فلا جديد تحت الشمس»، فالبشر هم البشر، إذ إن ثمة «جرائم نرتكبها ولا يعاقب عليها القانون» جرائم تفتك بالروح والمعنى، وهي أشد انتهاكاً لإنسانيتنا من جنايات معروفة كالقتل والسرقة والاغتصاب ، ورغم ان بعض الاقلام النقدية رأت في العرض أكثر مما اراده مخرج العمل والدراماتورج شادي كيوان ، في انه تلميح للفساد الذي وصلنا له في يومنا الحالي نتيجة تجار الحرب والمفسدون ، الا ان هذا لم بكن واضحا البته ، على عكس كل من الديكور والملابس والاضاءة وحتى الموسيقا التي لعبت دورا واضحا وجزءا هاما ومكملا للعرض في كل جزئياته.
بقي علينا ان نشير الى ان المعهد العالي للفنون المسرحية ورغم الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد ، مازال قادرا على خلق جيل من المبدعين ، رغم تفاوت مستوياتهم بطبيعه الحال بين طالب وآخر ، وأن خريجي هذه الدفعة كانوا : أديب رزوق ، بلال مارتيني ، سهير صالح سيرينا المحمد ، لمى بدور ، مجدي المقبل، مرةى الاطرش ، مروان خلوف، معن حمزة .بينما صمم الاضاءه بسام حميدي وصمم الديكور علي فاضل، والف الموسيقا الموسيقي العراقي السوري رعد خلف .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى