«مهرجان الصيف الدولي» 40 ليلة للموسيقى والفنون.. عتبات جديدة للحنين والذاكرة

( الجسرة )

*وئام يوسف

تشكّل فعاليات «مهرجان الصيف الدولي» لغةَ تواصل فنيّة بين ثقافات وبيئات مختلفة من العالم، قَدِمَتْ إلى مدينة الإسكندرية لتعرض ما في جعبتها، طيلة 40 ليلة تضيئ فيها مسرح مكتبة الإسكندرية بـ50 حدثا فنياً يتنوع بين الموسيقى والمسرح والرقص والغناء والسينما، من 12 دولة عربية وأجنبية، منها السودان، الجزائر، تونس، فلسطين، سوريا، لبنان، الأردن، السويد، سلوفينيا بالإضافة لمصر، بينما حلّت الهند ضيف شرف المهرجان، البلد الحاضر ثقافيا بقوة في مصر مؤخرا، فتخلل المهرجان لوحة «كاتا كالي» الرقصة الشعبية الهندية التي تقوم على الأقنعة والألوان المبهرة.
يحرص المهرجان في دورته الـ14 (29 تموز-3 أيلول) إلى زيادة رقعته الجغرافية ليزيد عدد الفرق المشاركة، إلى جانب التنوع والتعددية في الأشكال الموسيقية والفنية المستضافة، فإلى جانب قمم فنيّة كمارسيل خليفة وعمر خيرت وعلي الحجار، يفرد المهرجان مساحة للفرق المستقلة الناشئة لعلّها منصة جيدة للانتشار، بالإضافة للفرق ذائعة الصيت منها «مسار إجباري» و «بلاك تيما» وغيرهما. فكما هو معلوم، برزت العديد من الفرق المستقلة في مصر خلال السنوات الأخيرة، في ظلّ ثورة 25 يناير حاملة رايتها وهاتفة باسمها، إلا أن وهج بعضها قد خبا بفعل المتغيرات اللاحقة، في حين تألقت أخرى بعدما وسعت نوع الموسيقى التي تقدمها، وتبزغ الآن أسماء جديدة تؤكد أن للشباب المصري تجربة ثرية ثقافيا وفنياً.
المعنى الجمالي
استهلّ مارسيل خليفة «مهرجان الصيف» آتيا من «مهرجان البترون» (لبنان)، فأسعد الجمهور الإسكندراني بموسيقاه التي ذهبت بهم إلى المعنى الجمالي للحياة بعيدا عمّا يكتنف هذا العالم من وِحشة وقلق، وهو ما سعى إليه خليفة دوماً في لوحاته الموسيقية التي شكّلت تجربة مميزة في تاريخ الموسيقى العربية، إذ أدخلها الفضاء الأوركيسترالي عندما كتب أعمالا موسيقية لآلاتٍ عربية كالقانون والربابة والعود، وقد شارك العزف مع مارسيل خليفة ابنه رامي مقدماً لوحة خاصة به مع فرقة «الحجيرة الموسيقية» بقيادة المايسترو هشام جبر.
بدون شك، كان لغناء فايا يونان في مصر، علامة فارقة في مشوارها الفني النَضِر، فمصر تبقى قبلة الموسيقى في العالم العربي برغم كلّ المتغيرات التي عصفت بها، فجميع المغنين التائقين للشهرة كان لهم على مسارحها وقفة. أطربت فايا الجمهور المصري في حفلتين، واحدة في «دار الأوبرا» (القاهرة)، وأخرى على خشبة «مسرح الإسكندرية» خلال مهرجان الصيف. كانت المغنية الحلبية متحمسة لتجربة الغناء في مصر وقد لاقت الترحيب والتعاون من الموسيقيين المصريين حسبما قالت عبر صفحتها على فيسبوك. حماسها قوبل أيضاً بحضور لافت وتفاعل كبير مع الأغاني التراثية التي قدمتها.
المتنبي
عتبة أخرى، خصصها المهرجان للسينما التسجيلية، عرض خلالها خمسة أفلام قصيرة في سينما مكتبة الاسكندرية، بدايتها «عايدة» فيلم تسجيلي يحكي قصة عايدة أقدم بائعة ورد في الإسكندرية، جالت الشوارع بأزهارها على مدى أكثر من خمسين عاماً، لكن قليلين يعرفون ما تحمل في جعبتها من حكايا وتاريخ لم يروَ، المخرجة ميسون المصري وجّهت منظارها على الغموض الذي تشي به شخصية عايدة محاولة الإجابة عن التساؤلات التي تحوم حولها، الفيلم حاز جائزة أحسن فيلم تسجيلي في مهرجان الأقصر للسينما التسجيلية 2016.
«ذكريات عباد الشمس» فيلم قصير آخر يرمّم حنين الذاكرة الذي دفع المخرجة مي زايد إلى استحضار جدها المتوفي من خلال الصوت والصورة بالتضفير بين تسجيلات شرائط الكاسيت الأسرية التي يذكرها كل من عاش الثمانينيات والتسعينيات، ولقطات أخذها أفراد الأسرة قديماً ويظهر فيها الجد باستخدام كاميرات مختلفة، أيضا يتخلل المهرجان فيلما «الشجرة» و «تشكيل» إخراج محمد مصطفى، ويختتم العروض فيلم «حار جاف صيفا» إخراج شريف البنداري.
وللأطفال حصة وافرة في مهرجان الصيف الذي خصص لهم يوما تتخلله نشاطات عدة، تستهلها لوحة «المهرج» الاستعراضية، ثم ورش عمل فنية تستمر حتى المساء، ليتبعها عرض العرائس «جحا عايز وقت» الذي تنتجه وحدة إبداع الطفل.
الفنانة الجزائرية سعاد ماسي ستختتم المهرجان في الرابع من أيلول المقبل، وقد أصدرت مؤخرا ألبومها الجديد «المتكلمون» الذي تغني فيه قصائد للمتنبي. تربط ماسي بالمتلقي المصري علاقة خاصة بدليل حضورها الدائم على المسارح المصرية والتفاعل الكبير الذي تحفل به. ليكون من الطبيعي أن تقابل أيضا بحماس الجمهور المتوسطي الذي أكد بحضوره اللافت لفعاليات مهرجان الصيف أنه ذوّاق للفن ومدرك لأهميته في الارتقاء والانفتاح على العالم، وأن الاسكندرية مدينة يليق بها الجمال والرقص والجنون.

(القاهرة)

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى