‘كيف آتيك .. وانا لم ابرحك’ .. حوار المنفى وهاجس العشق

( الجسرة )

*فيصل فيصل

أهداني الصديق الشاعر الدكتور علي حسون لعيبي الديوان المشترك مع الشاعرة المغتربة انطوانيت ديراني والذي يضم أكثر من تسعين نصا طويلا ومتوسطا وقصيرا متوازنا بين الشاعرين رغم اني كنت اتمنى عليهما ان تكون نصوصهما أشبه بحوار نصين متقابلين في قصيدة واحدة كي يكون لها وقع مؤثر لدى القارىء، كما لها ميزة التمازج والتداخل في الخواص الشعورية والحسية وهكذا تنتهي الاغرائية القرائية لشاعرين لما لهما من تجانس وتفاهم في جسد القصيدة فضلا انها إغارة سريعة على أهداف قريبه وسهلة المنال.

مع اني لم اشعر بالاختلاف في الحالتين ولكن هي الاقرب لمفهوم المشترك كي أعود على جمع أوصال النصوص ببعضها عملت على ان انتقي اقرب النصوص والتي يمكن أن يكونا في جسد واحد.

واني على ثقة أن هذه الاسلوبية التي تبعها الشاعران هي الاكثر ملائمة وتوافقا في لمس خصوصية التجربتين بل نلمس افكارا ومضامين كثيرة تفيد في التقريب وتشريح الملامح الفنية والتي فيها تجنيس صدى الاصوات المتوالفة في ملحمة العشق العذري او محاولة الوصول لمقاربات تفجر المكنونات الخفية الغارقة في متن النصوص والتي فيها نوع من الميوعة الرومانسية المتجاذبة والمتنافرة في حركة الواقع والمتغيرات الملجئة التي تتماهى مع أضداد الارتداد الشعوري.

انا اعرف ان الشاعر الحسون يميل غالبا الى إسقاط الايحاءات والتشبيهات والمجاز حتى في ظل المقاطع القصيرة وهذا ما يقابله ان الشاعرة انطوانيت تميل كثيرا للاستدلال عبر الوقائع الحية والنفس الطويل مدفوعة بمرارة الغربة، والتي لم تبرأ من آثارها، هكذا صارت تتمايل معه بكثير من خلجات النفس وصدق العاطفة ورهيف التعبير. وهي تقول:

تقف وعلى كتفيك عباءة من الأشواق خيوطها ألوان حب وزينتها عشق وغرام يقطر عسلاً وفي قلبك طيفي تحلو به الأنغام.

ويقابلها الحسون اذ يقول:

وهناك .. أحبك.. بلا أعوام .. أعشقك .. وأنا ذلك الحالم .. الذي لا يشيخ ..

ان كلا الشاعرين يمتلكان أدوات شعرية تستحضر في لحظة هيام تمتد وتنمو عبر إيحاءات روحية يمكن قياسها من خلال حركة النماء المتصاعدة في النسق البنائي للنصوص وتداخل الصور في قلب المعاني لتعطي لمعاني الاحاسيس الفائرة الساحرة.

ومن الطبيعي ان لايظهر المثير المسبب بشكل مباشر ضمن دعامات الرؤيا الظاهرة الا انه اعطى خصوبة اضافية في نماء ذاكرة الحدث ومغريات تماهيها مع الطبيعة والتي تعكس رؤية وجدانية في تفابل الاقطاب المتحدة في اغصان تشكلها وتجذر ما تسطيع البلاغة اللغوية ان تجمع من خلال التكنيك الشعري وأشياء كثيره إضافية تسهم في استثمار النبع الرومانسي اذ يقول الشاعر على حسون:

عبث آخر هكذا يمر .. برق من سماء مشتعلة لا أرى سوى بضع لحظات .. ربما في غفلة تمضي دون اكتراث أخط علامات من وجع مرتقب كل السنين تشبه الما عاشرته منذ أول عشق.

وتقول الشاعرة انطوانيت:

قدر متأخر ربما أراد قدري ان تأتي متأخراً أن تصل مع مواسم قطف العنب والتوت البري أن تحملك إحدى الأماني لتكون مرفأً لبحري وأن تكون قلادة حب تزين صدري فمازال الوقت لنا .. والحب لنا ..

من الواضح ان الشاعرين بدا عليهما سن الشباب بعد ان كانا يحبان لصلاة صراع البراري القاحلة المجدبة حيث بدأت الخمائل تظهر من بعيد تريد ان تقيم عرائس النشوة على فراديس الاحلام الناعسة.

وهما يسرحون في ركب الهيام والجنون العشقي المتلبس في ماهية يومض فيها اثار الانفعال الذي يشعل حرارة العاطفة بما يضمن إعادة تشكيل الصياعات من جديد كي يخوض معركة العشق قبل ان تموت المقل بغرق الدموع.

يقول الشاعر علي حسون:

كيف ارى هكذا أرى وجهك .. قلائد تعانق افق السماء .. يضيء حضورك عالمي .. امسك ظلك وانت .. مثل نسمة تعبر .. فستنانك الأنيق يحلق .. بصمت .. عيناي ترقبك .. لن يغيب حضورك ..

وتقول الشاعرة انطوانيت:

ثمار أنثى يا من تقطف ثمار الأنثى يا من تأنس بالآلة واللمسة تسافر عبر هضاب النسمة وتمتلك من الخصر عشقا لأنه ترصع بالقبل وتصبح كالبهلوان يراقص الحلبة تلتف على الجسد وتلثم رحيق الثغر تمتلك الروح والقلب والعشق تصبح غائبا وحاضرا في عري الشفقة تقطف ما تشتهي وتزرع اشهى ما عندك في ثمار الأنثى.

ومن الملاحظ ان نفس القصائد تدور في فلك واحد مع اختلاف بيئات النشأة الاولى لها ولكن ان النحت المعماري النصي جعل مساحة السياحة في النصوص قابل على التقليب والتدوير والتأويل بما فيها من تصوير وتناص ومسار رحب تفتح ورؤى استكشافية بعيدا عن الاتكاء التقليدي وظاهرة الانا والانت.

انها خلاصة حياة مفعمة بالعطاء والروعة والدهشة في مرسم الشعر ومعزوفات العشق السرمدي الهائمة في الخصائص الشعورية والتعبيرية والنفسية التي اشتركت واثرت في اخراج هذا العمل الزاخر بجماليات اللغة والمعاني والأخيلة السارحة في حدائق الرومانسية.

وخير ختام يقول أبو تمام: كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبداً لأول منزل.

تحيه للشاعرين واتمنى لهما مزيدا من التعاول والانجاز لرفد المكتبة الادبية في اشغالات ابداعية ملونه بفكر وعاطفة وخيال نلتمس منها حوائجنا الادبية لانها الاقرب في تحصيل المهارة الكتابية وفنونها الأسلوبية بل تدفع العقل بأن يخوض تمرين الاعتدل في ممارسة العملية الابداعية لان الاستغراق في المذاهب الكتابية المختلفة يفقدنا الصدق الجمالي والحسي فنستمد الغرائب في غير موضعها ونحن نحرث بنصوص من اجل جني ثمار خلاصة الوعي للحفاظ على الاصالة في الفنون والادب اذن علينا أن نسعى على التركيز بقوة ودراية على تنشيط لقناعة الذاتية في عملية استخراج منظومة استنباط الفعل الجمالي من ارضاع اعماق النفس من اصولها ومرجعها في تسويق صورة تلتقي على عتبة ثقافة عربية تستفيد ولا تتأثر تستقيم ولا تنحني الا ضمن حدود البعد الانساني في خصائص المعرفة والعلوم وهذا ما جعلتي اميل الى الاغحاب بهذا المنتج الرائع.

المصدر: ميدل ايست اونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى