“لبنان في عيون مصرية”… الاستشراق معكوسا

( الجسرة )

*محمد شرف

بناء على مبادرة من «جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت»، أقيم اللقاء الثقافي الأول بين فناني مصر ولبنان، وذلك خلال الفترة الممتدة من 29 تموز وحتى التاسع من آب. شارك في هذا اللقاء من الجانب المصري خمسة فنانين تشكيليين هم: أحمد شيحا، وحسن عبد الفتاح وإبراهيم غزالة وعلاء عوض وأيمن هلال. جال الفنانون خلال الفترة المذكورة بين خمس مدن لبنانية هي: صور، صيدا، بعلبك، طرابلس، جبيل، وقد استقبلوا من قبل إتحادات بلديات هذه المدن، التي تكفّلت بتأمين كلّ ما يلزم من أجل راحتهم، وإمكان تواجدهم في الأماكن التراثية والتاريخية والأثرية من دون معوقات، حيث قام الفنانون بتنفيذ مجموعة من الرسوم. وقد عُرض ما تمّ إنجازه من أعمال في «جمعية الفنانين اللبنانيين» تحت عنوان: «لبنان في عيون مصرية»، في ما يُعتبر تكليلاً لهذا النشاط، وقد حضر الإفتتاح حشد من العاملين في مجالات الثقافة والفن.
هذا النشاط ما كان ليتم لولا الجهود التي بذلتها رئيسة الجمعية الفنانة ديما رعد، نظراً لما شهدناه بأنفسنا من اهتمام كانت أولته براحة القادمين، وتوفير أفضل الظروف الممكنة لهم على مختلف الصعد، من دون أن ننسى إسهامات بعض أعضاء الجمعية الآخرين في هذا المجال. وقد حدثتنا رعد، التي رافقت الفنانين الضيوف خلال كل مراحل تجوالهم، عن حيثيات زياراتهم للأماكن المذكورة سلفاً، والإستقبال الذي وفّرته لهم إتحادات بلديات المناطق، كما عن الظروف التي رافقت الزيارات، الإيجابية في معظمها، ولو أن العامل المناخي لم يكن مؤاتياً تماماً، إذ شاء الحر الشديد أن يزورنا في الفترة ذاتها التي كان على الضيوف تنفيذ رسومهم خلالها في الهواء الطلق، مع ما يتطلبه ذلك أخذ الحيطة، وخصوصاً في مدينة كبعلبك المعروفة بشمسها التي «تحرق جناح الدبور»، كما يقول المثل الشعبي.
المعرض/ الخاتمة
لم يفلح الحر الشديد في ثني الفنانين عن القيام بـ «واجبهم»، لا بل تمّ الأمر في أجواء من الحماسة، تمثّلت في العدد الوافر من الأعمال المعروضة في جمعية الفنانين، ولو أن النتيجة جاءت متفاوتة، من حيث عدد الرسوم، بين فنان وآخر. في كل الأحوال، يمكننا أن نلحظ أن اللوحات جاءت، في معظمها، ذات نمط إنطباعي، ولو أن صفة الإنطباعية، هنا، لا تتعلّق تماماً بالتيار المعروف بهذا الإسم، بقدر علاقتها بما تركته الأمكنة المرسومة من إنطباعات مختلفة في وقعها ومدلولاتها لدى الفنانيين. ولا بدّ هنا من الإشارة أن الأعمال الحاضرة أمامنا قد لا تنسجم تماماً مع الأسلوب الشخصي المعروف عن كلّ من الفنانين، إذ أنها جاءت كي تتصوّر الأمكنة من وجهة نظر وبأسلوب أقرب إلى الواقعية، علماً أنها واقعية لا تخلو من اللمسات الشخصية، المعقودة على أجواء تعبيرية يمكن تلمّسها في كل ما رأيناه.
شاء الفنان أحمد شيحا أن تكون رسومه بالأسود والأبيض، وانتقت عناصر أثرية منفردة ظهرت في الرسوم أشبه بمنحوتات أقرب إلى التجريد، بعدما تعمّد شيحا أن يضيف إليها بعض العناصر، وربما كان لهذا المدخل علاقة بأسلوبه الشخصي المعتاد. أعمال إبراهيم غزالة موضوعات بعضها معمارية وذات طابع غرافيكي، لذا فهي مغطاة بمساحات لونية مسطّحة، وقد تفصل بينها خطوط سميكة تكرّس النمط الغرافيكي المذكور، أما لوحات حسن عبد الفتاح فيبدو أنها تنتمي إلى فئة الرسوم السريعة، ألوانها مائية، ما يضفي عليها مسحة من الشفافية، ويلعب فيها الخط دوراً محورياً لكونه يحدد الرسم. أعمال تذكّرنا بما رسمه الرحالة الأجانب لدى زيارتهم الأماكن الأثرية في بلادنا. لوحات إبراهيم عوض لونية هي أيضاً، وتشي بمزاجية واضحة، كما أعمال حسن عبد الفتاح، ولا يغيب عنها الخط، إضافة إلى الحضور البشري الذي جاء كإضافة شخصية لا تلتزم الواقع الموضوعي بحذافيره، أما أيمن هلال فلوحاته متفاوتة في أساليبها، إذ تتراوح بين اللجوء إلى الحجم اللوني في تصويره لعناصر وازنة في المشهد من جهة، أو تصبح أكثر خفة من جهة أخرى، وأكثر إلتصاقاً بالنمط الإنطباعي.
بقي أن نشير الى ان مجمل الأعمال تصوّر أمكنة في ذاتها، ويمكن التعرّف عليها من دون جهد، كما يمكننا، من دون جهد أيضاً، أن ندرك الإحترافية الواضحة لدى جميع الفنانين، وأن نتلمس العلاقة التي استطاعوا إقامتها بالمكان، وربما أيضاً سرورهم بهذه الزيارة التي ستبقى آثارها في نفوسهم وقتاً طويلاً.

 يستمر المعرض حتى 15 الحالي في «جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت» – فردان

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى