«أمل»: «دوكودراما» الوجع السوري

رامي كوسا

منذ بداية الحرب في سوريا، انجذبَ بعض الممثلين إلى تصنيفاتٍ سياسيّة تناصر اصطفافاً على حسابِ آخر. هناكَ من دافع عن وجهة نظر الحكومة علانيةً ودون مواربة، وهناك من ساند الحراك الشعبيّ الّذي انزلق، لاحقاً، نحو هوية إسلامية جذبت كلّ أشكالِ التطرّف إلى الجغرافية السورية.
المشهدُ الدرامي شكّل انعكاساً لبعضِ هذا الانقسام. كلّ طرفٍ يريد أن يُنتج مواد بصريّة تبرّئ صفحته وتُزيل عنها غبار الاتهامات. وضمن هذا السّياق، قدمت «المؤسّسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي» عدّة أعمالٍ تتناول الراهن السوريّ من وجهة نظر الدولة، نذكر منها «تحت سماء الوطن» (تأليف عدّة كتاب/ إخراج نجدت أنزور) و «بلا غمد» (تأليف عثمان جحى ومؤيّد النابلسي/ إخراج فهد ميري). «المؤسّسة العامة للسينما» حضرت أيضاً من خلالِ إنتاجات عدّة من الصّنف ذاته.
على الضفّة المقابلة، لم يتردّد الدراميون السوريون المحسوبون على المعارضة في تقديمِ أعمالٍ تنتصرُ لوجهة نظر «الثورة السورية». لعبت يارا صبري دورَ البطولة في المسلسل الإذاعي «بسمة صباح» الّذي بُثت حلقاته عبر «راديو روزنة». الممثلة السورية شاركت أيضاً، في مسلسل «وجوه وأماكن» (نص هيثم حقي وخالد خليفة وغسّان زكريا/ إخراج هيثم حقّي). العملُ الّذي ضمّ كلّاً من جمال سليمان وفارس الحلو وعبد الحكيم قطيفان، شكّل التجربة الأبرز على مستوى ما يُمكن أن ندعوه اصطلاحاً «دراما المعارضة» (عُرض على «التلفزيون العربي» العام 2015).
في بعضِ الأعمال الّتي تتناول الواقع السوريّ، تكونُ مُشاركة ممثلٍ من أصحابِ الآراء السياسية المتحزّبة بشدّة إلى طرفٍ ما كافيةً لتشكيلِ انطباعٍ حولَ هوية العمل وموقفه من الحرب الدائرة في البلاد. لمع اسمُ الممثلة فدوى سليمان في المراحل الأولى للحراك، حيث تحوّلت خرّيجة المعهد العالي للفنون المسرحية، من خلال مشاركتها في عدة تظاهراتٍ طالبت بإسقاط النظام، إلى أيقونةٍ تغنّت بها وسائلُ الإعلامِ المعارضة، قبلَ أن يخفت نجمها لمصلحة أخبار العسكرةِ والمعارك ومعطيات الميدان.
اليوم، تعودُ سليمان إلى الشاشة الفضيّة بعدَ غيابٍ طويل، حيث تلعب برفقة الممثل شادي مقرش، بطولة مسلسل «أمل» (النص، بحسب ما جاء في شارة العمل، هو لـ «ورشة كتّاب سوريا الحرة»/ إخراج فرح علامة). بدأ عرض العمل الاثنين الماضي، على شاشة «تلفزيون الآن»، مقدمًا مزيجاً بين الدراما والوثائقي (دوكودراما)، ويتناول من خلال ثلاث عشرة حلقة جزءاً من الواقع السوريّ في ظلّ الحرب.
يُفتتح تيتر العمل بعبارة «إصرار حتّى الانتصار». المحطّة العارضة حرصت على تكريسِ وسم #أمل_بنت_الحرية في أقصى يمين الشاشة. استعرضت الحلقة الأولى من المسلسل حالَ طيفٍ من أبناءِ مدينة درعا خلالَ واحدةٍ من سنواتِ الحرب، حيث تعيش شخصيات الحكاية على وقع قصفٍ مستمرٍ يشنّه سلاح الجوّ التابع للجيش السوري. ينعطفُ العمل نحوَ فواصلَ في زنزانةٍ منفردة احتُجزت ضمنها أمل (فدوى سليمان) الّتي تعاني من عدوانية المُحقّق (خالد أبو بكر) العامل في أحد أجهزة الأمن السورية. الخطّ الثالث في الحكاية يتناول قصّة «روان» (رغد مخلوف) الناشطة الّتي تشتغل على صناعة شريط يحتوي «أجزاء توثيقية لثورة شعب».
بعضُ المفردات والجمل المُستعملة في شارة البداية، والمناخ العام للحلقة الأولى، وحضورُ ممثلةٍ ذاتِ خصوصية سياسيةٍ كفدوى سليمان، تَخلق انطباعاتٍ تضع العملَ في موقعِ المُدافع عن «الثورة» والمُدين للدولة السورية، الأمرُ الّذي نفته المخرجة فرح علامة في حديثها مع «السفير». تؤكدّ علامة «أنّ المسلسل يسعى للحفاظ على موقفٍ وسطيّ من أطرافِ الصراع كلّها، وليس معنياً بإدانةِ أحد بقدر ما هو معنيّ بتقديمِ الوجع من زاويةٍ إنسانية بحتة». مضيفة: «كنّا حريصين على عدمِ الدفع باتجاهِ مزيدٍ من الكراهية، حتّى أنّنا اشتغلنا على حذفِ بعضِ الجمل المباشرة في الحوارات، وقمنا باستبدالها بمعادلاتٍ أقلّ صدامية». وعن تأثيراتِ عرضِ العمل حصريّا على تلفزيون «الآن»، الّذي اتّخذ منذ بداية الأزمة موقفاً معارضاً، تقولُ المخرجة اللبنانية: «يُمكننا أن نتعامل مع البادرة بحسن نيّة، فالمسلسل يُشكّل محاولةً لإعلاءِ قيمِ الحبّ والأمل بعيداً عن المنحى الإخباريّ الّذي اعتمدته فضائية «الآن» في سنواتِ الحرب».
ولدى سؤالنا عن الجدوى الإنتاجية من صناعةِ مسلسلٍ لا نجومَ فيه، أجابت علامة، الّتي تخوضُ أولى تجاربها الإخراجية على مستوى العمل الدرامي، «مسلسل أمل يُحاكي صنفاً من السينما يُسمّى السينما البديلة ويقدّم أعمالاً بإنتاجاتٍ متواضعة وممثلين لا ينتمون بالضرورة إلى ما يعرف بنجوم الصفّ الأول». تختتم علامة حديثها بالإشارة إلى أنّ ممثّلي مسلسل «أمل» لا يقلّون شأناً عن كبارِ نجوم المهنة على الرغم من كونِ أغلبهم مغموراً وصاحبَ تجربةٍ بسيطةٍ في عالم الدراما.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى