خطوط الكمبيوتر .. هل هزت عرش الخطاط العربي؟

 

تحاول المؤسسات العلمية المهتمة بالخط العربي تشجيع الشباب على العودة لتعلم الخط العربي من خلال المسابقات التي تنظم من وقت لآخر للكشف عن المواهب الجديدة في الخط العربي، ويمثل الخط العربي شكلا من أشكال معطيات الحضارة العربية والإسلامية، حيث يمثل قيمة فنية وجمالية وتراثية لجميع المسلمين حتى من بين المسلمين غير العرب الذين يعتبرون أن تكوينات الخط العربي بما تعبر عنه هذه التكوينات من آيات قرآنية أو أحاديث نبوية شريفة أو حتى أقوال مأثورة، يتم نقشها بشكل جمالي يثير متعة الناظرين إليه كما لو أنه لوحة مرسومة.

ويقبل السائحون الأجانب في البلدان العربية لاقتناء اللوحات الفنية التي يوجد بها فنون للكتابة العربية على القماش أو النحاس، بل إن اقتناء مثل هذه اللوحات يدخل ضمن تيار فني وثقافي في الغرب مهتم بكل ما هو شرقي من فنون وثقافة.

ومع أهمية الدور الذي يقوم به الخطاط العربي كفنان عربي أصيل إلا أنه يوما بعد يوم يتزايد الدور الذي يلعبه الكمبيوتر وتطبيقاته المختلفة في مجالات فنية وتراثية، لم يكن يخطر ببال أحد أنه يمكن الاستغناء فيها عن الإبداع البشري واللمسة الإنسانية، فقطار تطبيقات التكنولوجيا في عالم الفن والتراث يستمر في انطلاقه بسرعة من محطة إلى أخرى، حتى وصل قبل فترة ليست بالبعيدة لمحطة الخط العربي، فبدلا من الخطاط العربي، وبدلا من أن يقوم خطاط موهوب بكتابة لافتة أو إعلان يستغرق أسابيع لإتمام هذا العمل، أصبح في الإمكان الضغط على زر كمبيوتر للحصول على نماذج جاهزة من الخطوط.

ويحذر أحمد علي سليمان، خبير تدريس الخطوط العربية، من أن تحول عدد كبير من المهتمين والعاملين في مجال الخط العربي إلى استخدام الحاسب الآلي في الحصول على قوالب نمطية وثابتة وبدون اللمسة الإنسانية على الخط العربي أدى إلى حالة من الرتابة، وساهم في القضاء على عناصر الإبداع لدى الموهوبين. مضيفا أن الموهوبين في مجال الخط العربي لا يجدون من يتولى رعايتهم بالرغم من أن عدد هؤلاء قليل، مشيرا في نفس الوقت إلى الضعف الواضح الذي يميز خطوط طلاب المدارس في كافة المراحل التعليمية، وحتى في مرحلة التعليم الجامعي.

بينما يؤكد أيمن يوسف، أحد خبراء الخط العربي: إنه بالرغم من التقدم التكنولوجي الكبير في مجال التطبيقات المرتبطة بالكمبيوتر في تنوع وجود الخط العربي، إلا أن التقنية الحديثة في هذا المجال لم تحل محل الخطاط البشري أبدا، مشيرا إلى أن الحاسب الآلي يمكن أن يكون له دور في الكتابة العادية، لكن الخط العربي بأشكاله الفنية والإبداعية لا يمكن أن يخرج للنور إلا من خلال إنسان مبدع ملم بفنون كتابة الخط العربي، وبأشكال الحروف وأطوالها وأحوال طمسها أو مدها.

• الرقعة والنسخ

ومن الخطوط العربية الشهيرة: الخط الكوفي، الثلث، الديواني، الرقعة، النسخ، الأندلسي، والكثير من الخطوط التي تستخدم حالياً في الكتابة، ويتم عن طريقها تدوين المخطوطات والكتب.

ويروى عن ابن عباس (رضي الله عنهما) والملقب بحبر الأمة، أنه قال: إن رجلا كتب بسم الله الرحمن الرحيم فأحسن تمطيطه، أي أحسن الخط، فغفر الله له. إلى هذا الحد كانت أهمية جمال الخط العربي والذي يعد واحدا من فنون الشرق الإسلامي الرفيعة، وفي ثرائه وتنوع أشكاله وإيقاعاته التي تتناص مع النغم المسموع، فيعكس هذا التألق والتأنق والإشراق الذي يفيض بسحر الكلمات.

وللخط العربي حكاية طويلة، وهي أن فنون الخط العربي نقلت عن شمال الجزيرة العربية، خاصة الكوفة بجنوب العراق التي نُسب إليها الخط الكوفي، وهو عبارة عن خطوط عربية مستقيمة، وفي الحجاز أطلقوا عليه الخط الحجازي، وبعد البعثة النبوية كان هناك عدد قليل من أبناء قريش يكتبون الخط، وفي غزوة بدر كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – يشترط أن يطلق سراح الأسرى المشركين إذا علم الأسير الواحد عشرة من أبناء المسلمين.

• تطور الخط العربي

إن الخط الذي كُتب به مصحف عثمان، وما كان يكتبه كبار كتًّاب الوحي كان من الخط الحجازي المشتق من الكوفي الذي يكتب بدون نقط وبدون تشكيل، وظل الأمر على هذا إلى أن مر أحد الولاة في الطريق مصادفة برجل يقرأ أول سورة البقرة “ألم.. ذلك الكتاب لاريب فيه”، فسمعه يخلط بين التاء والباء، فرده منفعلا، وكان ذلك بداية وضع علامات التفرقة بين الحروف المتشابهة بوضع نقط، ثم جاء التشكيل لضبط الكلمات.

وفي العصر العباسي وبعد أن اتسعت الفتوحات العربية، ازدهر فن الخط العربي لكثرة الترجمات عن اليونانية واللاتينية، فظهرت الخطوط التي تتماشى مع سرعة الإنجاز، مثل الخط الثلث لكتابة العناوين، وخط النسخ لكتابة المتون، وظهر في هذا العصر الوزير الخطاط “ابن مقلة”، وكان وزيرا للخليفة المقتدر، فهندس الحروف المفردة وكساها طلاوة وبهجة، وجاء بعده “ابن البواب”.

وفي عصر المعتصم ظهر ياقوت المستعصمي، وكان أشهر خطاط في العراق في ذلك الوقت، وكان مملوكا ولقب بقبلة الكتاب، وهؤلاء طوروا الخط العربي فتنوعت أشكاله وأنماطه، ووصل إلى قمة تألقه وبريقه.

• الأتراك والخط العربي

وعندما انتقلت الخلافة إلى الدولة العثمانية، اهتم الأتراك بالخط العربي لدوافع ذاتية منها تعميق شعورهم الديني، حتى أن بعض السلاطين أجادوه إجادة تامة وبشكل فني بديع مثل السلطان محمود الثاني، وقد أضاف الأتراك أنواعاً جديدة من الخطوط مثل الديواني والهمايوني والرقعة، وهم حتى الآن يحافظون على الخط العربي كفن من الفنون الإسلامية ويقيمون له المسابقات.

وفي مصر افتتح الملك فؤاد أول مدرسة للخط العربي، واستقدم فيها من تركيا الخطاط عبدالعزيز، كان ذلك عام 1923، واستعان برواده من المصريين مثل محمد حسني والد الفنانة سعاد حسني، وكان الخط الديواني يكتب في المدارس بالطريقة التركية القريبة من خط الرقعة، إلى أن طوره مصطفى غزلان بك خطاط السراي الملكية، وجعله أكثر رشاقة وسمي بالخط الغزلاني.

ويجب أن يدخل الخط كمادة أساسية في كل مراحل التعليم، وأن يكون له قسم مع الزخرفة الإسلامية بكليات الفنون الجميلة، مثل الدول العربية، والتي جعلت منه شهادة عليا، وهذا هو السر في أن جوائز الخط العربي تحصدها دول عربية أهمها العراق وسوريا وتركيا وإيران، وليس منها مصر.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى