«الكمنجاتي» في أمسية نادرة.. «الربيع الفلسطيني»

رندة جباعي فخري

«الكمنجاتي» حضرت إلى بيروت مساء الخميس الماضي ومعها، كما في كلّ مرّة، حضرت القضية الفلسطينية. القضية التي أصبحت شأناً «ثانوياً»، نادرا ما يستذكره البعض، بعدما طغت مشاكل «ثورة عربية» مختلفة.
إذاً، وبالتعاون بين جمعية «الكمنجاتي» ومؤسسة «بيت أطفال الصمود» فعلها رمزي أبو رضوان مرة جديدة، وأثبت براعته الموسيقية في إقامة أمسية فلسطينية بامتياز أخذتنا معها إلى زمن الربيع الفلسطيني بموسيقاه وملابسه وتراثه.
في قلب القاعة الاحتفالية للجامعة الأميركية في بيروت، اجتمع محبو التراث الفلسطيني ومحبو «الكمنجاتي» ليتابعوا أمسية موسيقية فلسطينية نادرة من حيث الشكل والتميز والعفوية.
بداية، عزفت الفرقة الموسيقية بقيادة رمزي أبو رضوان أربع مقطوعات موسيقية، هي «رحيل» و «بدون عنوان» و «بوردو» وهي كلها من تأليف أبو رضوان نفسه، لتختم مقطوعاتها مع «كارود» وهي قطعة موسيقية تنتمي إلى التراث الأرمني. وقد برعت الفرقة المؤلفة من عشرة عازفين في إيصال الموسيقى إلى قلب كل حاضر في القاعة، واللافت كان الحضور الأجنبي الكثيف، وهذا أمر نحسبه في كل حفلة تنظمها جمعية «الكمنجاتي».
قصة الحجر
من لا يعرف قصة رمزي أبو رضوان، قد يفاجأ، ربما بأن هذا الموسيقي الرائع هو نفسه الطفل الفلسطيني الذي ظهر العام 1987 في صورة طُبعت في أذهاننا لطفل يرمي الحجر على المحتلّ الإسرائيلي، يومها كان الحجر آلته واستطاع أن يحدث فرقاً ليصبح رمزاً تناقلته وسائل الإعلام المحلية والعالمية، حتى أن «السفير» اعتمدته كرمز للانتفاضة الأولى.
اليوم وبعدما كبر الطفل رمزي، ها هو يعمل اليوم بآلته الموسيقية ليصنع انتفاضة من نوع آخر، انتفاضة موسيقية، ويجعل الرمز الفلسطيني وتراثه محط أنظار عالمي ومحلي مرة جديدة.
لا يختلف اثنان على أن ما قدمه أبو رضوان من خلال جمعيته «الكمنجاتي» قضية يجب الوقوف عندها، فها هو يحاول في كلّ مرة إبراز الطاقات الجميلة لدى أطفال فلسطين «اللاجئين» في المخيمات العربية واللبنانية من دون أقل حقوقهم المدنية. في عرض الخميس وقف أطفال مخيمي برج البراجنة وشاتيلا مع أبو رضوان، مشدودي الأعصاب ليقدموا كل ما تعلموه من جمعية «الكمنجاتي» وليقدموا نسخة جميلة عن فولكلور فلسطيني كان له مجده وعزه قبل أن تحاول أن تخفيه وتعمل على اضمحلاله آلة الإعلام «الإسرائيلي». فقدم الأطفال التلاميذ وصلة من الفولكلور النسائي الفلسطيني، بمشاركة غنائية لحنة الحاج حسن، التي وقفت بزيّ فلسطيني رائع، لم نعرف من صممه لها ولكنه كان أشبه بزي ملوكي أضاف على إطلالتها المتميزة رونقاً متميزاً. قدمت حنّة بصوتها العربي المميز أكثر من أغنية تراثية تفاعل معها الجمهور الحاضر تفاعلا لافتا، فمن لم يغنّ بصوت عال لجهله كلمات الأغنية كان حتماً يدندن ويطرق بيديه على ما يشبه مشاركة عزف مع الفرقة. ولتكتمل الأمسية الفلسطينية مع الموسيقى والغناء، كان لا بدّ من الشعر، إذ ألقى زاهي وهبي قصيدة «لكم الدولة» بإحساس رائع صفق له الحاضرون طويلاً، قصيدة فلسطينية بامتياز أكملت المعاني اللازمة لأمسية تحمل في طياتها قضية نتحمس لها ونحملها في موسيقانا وشعرنا وغنائنا.
ختام الأمسية كان مع الفنان جهاد عقل الذي عزف أربع مقطوعات، «طريق النحل» للرحابنة، «سماعي بيات» لإبراهيم العريان و «لونغة رياض» لرياض السنباطي، وأضاف مقطوعة رابعة غير مقررة في البرنامج، لكن حماسة الجمهور، غير العادية، لإطلالته وموسيقاه استدعته إلى العزف أكثر فالجمهور قاطعه أكثر من مرة بتصفيق حاد وتفاعل كبير. جمعية «الكمنجاتي» تأسست العام 2002 ولا تزال حتى اليوم تعمل على تدريب أطفال المخيمات بالموسيقى والألحان لإظهار مهارات أخفتها عوامل الحرمان والقهر والفقر، فيخلق أبطالاً صغاراً يقاومون بآلة موسيقية وحجر.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى