باسل السعدي.. هندسة الهشاشة

محمد شرف

لا تكتسب أعمال باسل السعدي (])، صفة اللوحة التشكيلية، إلا من خلال فعل التعليق نفسه، الذي لا يعوّل عليه سوى بطريقة شكليّة، إذ هي، في الحالة الحاضرة، مثبّتة إلى جدار، وربما يكون في إمكان المتلقي مشاهدتها في وضعية مختلفة عمّا هي عليه في صالة العرض، ما يمكن أن يحوّل مفعولها نحو وجهة أخرى من حيث المعنى. كما لا تبدو علاقتها بهذا الجدار ـ الخلفية، علاقة محورية إلاّ من حيث التناقض بين الطابع التركيبي ـ اللوني للعمل، واللون المحايد الأقرب إلى البياض للجدار الذي يحملها.
يضم معرض السعدي، أعمالاً تركيبية أقرب إلى التجهيز، لكونها ليست ذات بعد واحد، بل تعتمد الحجم، ولكن على شكل صفائح هندسية رقيقة، ما يجعل نسبها لخانة الحجم في مفهومه الواسع غير دقيق تماماً. كان باسل السعدي اعتمد، خلال الفترة الماضية، تقنية الكولاج باستعمال الورق عبر نوعياته المختلفة، لكن هذا الورق، المعروف بهشاشته، لم يلبِّ حاجته إلى الثبات التي قد تتطلبه الأعمال، ما دفعه للجوء إلى المعدن، لكونه أكثر قابلية لخلق الشكل الهندسي، وإمكان التوليف بين العناصر العديدة. لذا، فإننا نشهد من جهة خفة تتميز بها عملية التركيب، يقابلها، من جهة أخرى، وزن المعدن المستعمل في عناصر التأليف.
يعتبر باسل السعدي أن أعماله ليست شكلية، أو بالأحرى شكلانية، كما يمكن أن توحي به المشاهدة المباشرة، أو الانطباع الأول الذي تتركه الأعمال لدى المتلقي. هذه المسألة كانت دائماً موضع جدال، حين يتعلق الأمر بالميول التجريدية، التي تندرج تحت جناحها الأشكال الواقعة أمام ناظرنا. الشكل الأكثر حضوراً لدى الفنان هو المثلّث، وهو، إذا ما عدنا إلى تاريخ الفن، يُعتبر الشكل الهندسي الأثير لدى فاسيلي كاندينسكي، أحد أبرز رواد الفن التجريدي في العقد الثاني من القرن المنصرم. لم يكن اللجوء إلى المثلّث، لدى كاندينسكي، عبثياً أو من طريق الصدفة، بل وضع نظرية مفصّلة عن هذا الأمر في مؤلّفه «حول الروحي في الفن وفي التصوير خصوصاً» (1911)، حدّد على أساسها ماهية هذا الشكل، والمعاني الروحية التي يمكن إستشفافها من إعتماده في التأليف التجريدي. ومنها، على سبيل المثال، أن قاعدة المثلّث المرتكز على قاعدته، كما هو الهرم، يمثّل بالنسبة إليه الجمهور أو عامة الناس، ويرتفع هؤلاء نحو القمة تدريجاً كي نجد فيها النخبة، وذلك ضمن عملية ارتقاء معقّدة، وليست متاحة للجميع.
في كل الأحوال، يمكننا أن نلحظ، من الناحية الشكليّة أيضاً، أن المثلّث لدى باسل السعدي قد يكون مجوّفا في بعض الأحيان، ولا يكون مستقلاً في ذاته، بل يتداخل مع مثلّثات أخرى لا تمتلك كلّها سماكة الضلوع نفسها، علاوة على أنها لا تقع ضمن الحقل المسطّح ذاته. يُضاف إلى ذلك، أن الألوان المستعملة هي الابتدائية أو الأولّية (أي الأحمر والأزرق والأصفر، كما هو متفق عليه). هذه المقاربة تطمح إلى كسر شعور التسطيح في العمل، وتؤدي إلى خلق فضاء خاص يريده الصانع كمنطلق من المادة الأرضيّة، في حين أن الأطراف الحادة للأشكال يمكن أن تحمل معنى العنف الصادر عن هذه العملية. هذا النوع من العنف نراه حولنا من الناحية العملية، وربما كان من أكثر الظواهر الفاقعة المميّزة للمجتمع الذي يقصده باسل السعدي، الفنان السوري الذي يرى على طريقته ما يحيط به، ويحيط بنا في طبيعة الحال. وإذا كان المطلوب من الفن أن يكون عاكساً للحدث الموضوعي، فإن هذه العملية لا تتم بحسب الطرق ذاتها، بل بحسب ما يريده الصانع، الذي يترك لنا مهمة فهم مقاصده، الحكم على ما يقوم به.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى