مصطفى رحمة: التشكيل أخذني من رسوم الأطفال والدراسة تصقل الموهبة

ياسر سلطان

ظلَّ الفنان مصطفى رحمة يرسم للأطفال طوال أكثر من ثلاثين عاماً؛ هي فترة عمله في مجلة «ماجد» الموجَّهة للأطفال. وكان لخطوطه السلسة الدور المهم في تعلق متابعي المجلة بشخصياتها المحبَّبة، ومن بينها شخصيات بعينها ابتكرها وذاع صيتها وتحولت في ما بعد إلى رسوم متحركة. وإلى جانب رسومه للأطفال مارَس الفنان رسم الكاريكاتور. وحين تفرغ أخيراً لأعماله التصويرية، قبل سنوات، كان له أسلوبه المميَّز بألوانه الدافئة والمبهجة. وعلى رغم الاختلاف بين وسائطه تلك، إلا أن خيطاً رفيعاً ورائقاً يجمع بينها ويضفي عليها تميزاً.
أعمال مصطفى رحمة تحمل طابعاً شرقياً له روح المنمنمات، ومعالجاته اللونية أشبه بمعزوفة طربية أقرب إلى شدو الموشَّحات العربية. أقام الفنان مصطفى رحمة أول معارضه التشكيلية في القاهرة بعد عودته إلى مصر تحت عنوان «هوانم زمان»، وهو عنوان لافِت له علاقة بطابع أعماله وميله إلى البهجة والحنين إلى الماضي. ثم توالت معارضه، لكنها لم تخرج عن هذه الروح المفعمة بالحنين والبهجة. واللافت في تجربة رحمة أنه لم يدرس الفن على نحو أكاديمي، كما لم يلتحق بأي من مراسم الفنانين الكبار كي يعوض هذه الحاجة إلى الدراسة الأكاديمية، فقد علَّم نفسه بنفسه وقاد تجربته منفرداً ومتفرداً حتى أصبح واحداً من أهم محترفي رسوم الأطفال في الوطن العربي.
يقول رحمة: «أؤمن بأن التعليم الأكاديمي هو أمر يمكن تجاوزه بالدراسة الحرة، فالفن يعتمد على الموهبة في الأساس، ويأتي التعليم لصقل هذه الموهبة. أحببت الرسم منذ صغري، وكنت متعلقاً به إلى حد الشغف، عبر ارتباطي بأحد الرسامين الذين يجيدون نسخ الصور أو الوجوه. كان محترفاً وماهراً إلى حد كبير وكنت أتابعه بشغف، غير أن ما كان يثير دهشتي حينها أنه لم يكن يجيد الرسم. كان ماهراً في نسخ الصور فقط، لكنه كان يفتقد إلى الخيال، غير أن تلك المهارة كانت في حد ذاتها أمراً مدهشاً بالنسبة إلي.
> لك تجربة في مجلة «صباح الخير» في وقت كانت تجمع عدداً من كبار الرسامين مثل صلاح جاهين وجورج البهجوري ومحيي الدين اللبَّاد وغيرهم، فكيف كان تأثير هذه التجربة عليك؟
– خلال فترة ولعي المبكرة بالرسم كنت شغوفاً بفن الكاريكاتور، وكنت أنظر حينها إلى رسامي الكاريكاتور بنوع من التبجيل الشديد، وكانوا عندي أهم من نجوم السينما. لذا فقد ذهبت إلى مجلة «صباح الخير» من أجل التعرف إلى هؤلاء، وعملتُ في المجلة تحت التمرين لفترة خالطتُ فيها رسامي «صباح الخير»، وكانوا نجوم الكاريكاتير والصحافة في ذلك الوقت، كنت شغوفاً برسوم صلاح جاهين، حتى أني تأثرت بأسلوبه. وهو ما لفت نظري إليه أحد الأصدقاء، وانتبهت لخطورة ذلك الأمر، فجاهدتُ أن أبتعد قدر الإمكان عن طريقة صلاح جاهين، وحرصتُ منذ تلك اللحظة على أن يكون لي أسلوبي الخاص.
> لكنك لم تستمر في العمل في «صباح الخير» وعملت في جريدة «الاتحاد» الإماراتية، فما الذي دفعك إلى السفر؟
– سافرتُ إلى الإمارات لأنضم إلى أخي الذي كان يعمل هناك، وبعد وصولي علمتُ أن جريدة جديدة في طريقها إلى الصدور، وهي جريدة «الاتحاد»، فالتحقتُ بها.
> كنتَ من أوائل الفنانين الذين عملوا في مجلة «ماجد» عند صدورها، فما هي أسباب التفكير في إصدار مجلة موجَّهة للصغار؟
– هي فكرة الصحافي الراحل مصطفى شردي، الذي اقترح أن تُصدر الجريدة مجلة تكون عربية الطابع، بدلاً من المجلات المستوردة التي تحمل ثقافة مغايرة عن ثقافتنا. كنتُ أرسم تقريباً نحو 80 في المئة من الأعداد التجريبية. وفي بداية ظهور المجلة كنا نأمل بأن نوزع ثلاثة آلاف نسخة، على الأكثر، لكن التوزيع من المحيط إلى الخليج، فاق توقعاتنا. وأثناء عملي في المجلة ابتكرتُ شخصية «كسلان جداً» وشخصيتي «خلفان وفهمان». شخصية «كسلان جداً» هي واحدة من بين أنجح الشخصيات التي لاقت قبولاً لدى الأطفال، وما زالت حتى اليوم تمثل أحد الشخصيات الرئيسة في المجلة، وخصَّصت لها مطبوعات خاصة بها.
> كيف يتم ابتكار شخصية كارتونية، وهل تكتمل ملامحها في ذهن الفنان قبل تحققها الفعلي على الورق؟
– معظم الشخصيات الكارتونية تتطور على الورق مع مرور الوقت. قد تختلف هيئتها من لحظة وجودها الفعلي إلى أن تستقر في النهاية على شكل ثابت. الشخصيات التي رسمتها في مجلة «ماجد» مرَّت بهذه المراحل وأخذت وقتها إلى أن استقرَّ شكلها على ما هو عليه الآن.
> كنتَ ترسم الكاريكاتور أثناء عملك في جريدة «الاتحاد»، فلماذا لم تواصل الأمر بعد عودتك إلى مصر؟
– في بداية عودتي إلى مصر كانت لي تجربة لم تكتمل مع إحدى الصحف المستقلة، فقد حدث أن طلبني الفنان الراحل مصطفى حسين وقال لي إن جريدة «المصري اليوم»- وكانت حديثة الظهور – تطلب رساماً للكاريكاتير وقد رشحتك لهم. وحين توجهت إلى مقر الصحيفة لألتقي رئيس تحريرها، لم أسترح لهذا اللقاء، فقد كان العمل مشروطاً برقابة مزدوجة من رئيس التحرير ورئيس مجلس الإدارة، فرفضتُ ذلك.
> هل ترى أن هناك تأثيراً ما لعملك في الكاريكاتور ورسوم الأطفال على أعمالك الأخرى؟
– كنتُ حريصاً منذ البداية على ألا يطغى عملي في رسوم الأطفال على عملي في التشكيل عموماً، وأنا عادةً أحب الفصل بين الوسائط الفنية التي أعمل عليها.
> ألا ترى أن اشتغالك في رسوم الأطفال أبعدَك عن مجال التشكيل؟
– التشكيل هو الذي أخذني من رسوم الأطفال، لكنني استفدت منها لجهة أهمية التمرين المستمر على الرسم، ما يخلق علاقة حميمية بين الفنان والسطح الذي يرسم عليه. الفنان حجازي هو أول من لفتني إلى الملامح التصويرية في رسومي، وبدأت بالفعل أبحث عن المنطقة التي تميزني، وعكفت على تلمس طريقي نحو اللوحة، حتى شعرت بأنني على الطريق الصحيح، فأقمت أول معارضي في القاهرة في آذار (مارس) 2013. وعلى رغم الأجواء المضطربة وقتها، إلا أن المعرض لقي استحسان الجمهور والنقاد، ما شجَّعني على مواصلة الأمر.
> لماذا تتخذ المرأة تلك المكانة المميزة في تجربتك؟
– منذ أن أقمت أول معارضي، وأنا أسير تلك الثيمة على رغم اختلاف العناوين. عنوان المعرض «هوانم زمان؛ نساء الزمن الجميل»؛ السيدات والفتيات من جمهور أم كلثوم اللاتي كن يتمتعن بالأناقة والذوق والمظهر المتناسق. هؤلاء السيدات يمثلن نموذجاً لسيدات ذلك العصر، كنا نراهم في الشارع وفي السينمات والمسارح، في كامل أناقتهن من دون تحرش أو مضايقات أو ابتذال في الملبس. أنا أحاول تذكر تلك المشاهد وتذكير الأجيال الحالية بذلك الزمن. أرسم المرأة في هيئتها التي أعشقها عليها، ولم أكتف بعد من حالة الشجن، تلك التي أشعر بها كلما عدتُ إلى تلك الذكريات أو شاهدتُ على التلفزيون إحدى حفلات كوكب الشرق.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى