التشكيلي مظهر نزار ينفذ أول ورشة ألوان مائية في اليمن

أحمد الأغبري

تبنى مظهر نزار (1958)، وهو من أبرز أسماء الصف الثاني في المحترف التشكيلي اليمني، مبادرة تدريب تشكيليين شباب على الرسم بالألوان المائية، فوفّر تمويلا أجنبياً، ونفّذ أول ورشة ألوان مائية في بلاده، أختار لها خمسة من الفنانين، استطاعوا، خلال الفترة من 31 تموز/ يوليو حتي 4 آب/ أغسطس، أن ينجزوا أول أعمالهم بهذه التقنية الغائبة يمنياً؛ ويكونوا أول تشكيليين يمنيين شباب يجيدون التعامل مائياً مع الألوان. قد لا يعرف نزار، أنه بهذه الورشة تجاوز، وإن بشكل مختلف ومحدود، جدران العزلة التشكيلية اليمنية بين جيلي الرواد والكبار وجيلي الوسط والشباب… فمنذ وفاة التشكيلي اليمني الرائد هاشم علي عام 2009، لم يقم أي فنان يمني لتبني مبادرة لنقل خبراته لفنانين من الأجيال اللاحقة، أي أنه لم تتكرر تشكيلياً، في اليمن حتى اليوم تجربة هاشم (الأبوية التعليمية)، ولم يشهد البلد فناناً فتح مرسمه، كما فعل هاشم في مدينة تعز (جنوب غرب)، الذي تخرج فيه عدد من الفنانين، منهم من صاروا اليوم في صدارة المشهد التشكيلي في البلاد؛ وبالتالي فإن مظهر نزار يكون، بهذه الورشة، أول فناني جيله يتيح خبراته لفنانين شباب، وإن كانت آليته محدودة وتتطلب تمويلاً من طرف ثالث.
تُعد العزلة بين الأجيال وعدم توفر أكاديميات فنية في اليمن من أهم أسباب قصور تجارب التشكيليين الشباب رؤيوياً وتقنياً؛ ولهذا نجد معظمهم قابعين بين جدران الواقعية ولم يتجاوزا، غالباً، الألوان الزيتية إلى غيرها من التقنيات كالألوان المائية والكولاج والإكيريلك والغرافيك، وإن كان هذا القصور لا يُقلل من قيمة تجارب هؤلاء الفنانين، إلا أن الانفتاح يبقى احتياجاً ضرورياَ لأي تجربة لبلوغ (النضج الفني)، الذي لا يتأتى إلا من خلال التنقل بين المدارس واحتراف التقنيات، ومعها يستقر الفنان على الأسلوب الخاص.
قد يكون صعباً إجادة تقنية تشكيلية جديدة كتقنية الألوان المائية، في خمسة أيام، إلا أن نورا عبدالله، وهي من الفنانين المشاركين في الورشة، تؤكد أنها باتت، اليوم، قادرة على التعامل المائي مع الألوان، «لأن الفنان مظهر نزار استطاع أن يمنحنا، خلال خمسة أيام، خلاصة تجربة 30 سنة، حيث بدأنا من مستوى متقدم، لرسم منظر من مناظر صنعاء القديمة يحتوي على مكونات عديدة، وخلال الرسم تعلمنا، بأسلوب سهل، مهارات مزج الألوان ومستويات استخدامها، وضربات الفرشاة، وتمكّنا من إجادة مهارات تقطيع الأشكال، وإسقاط الأضواء والظلال، وغيرها من مكونات المنظر، مستفيدين من بعضنا كفنانين نرسم المنظر نفسه؛ ولهذا أجد نفسي قد حققتُ تطوراً كبيراً في هذه الورشة، واستطيع أن أقول بثقة إنني صرتُ أرسم بالألوان المائية».
يمثل الرسم بالألوان المائية تقنية سهلة وسريعة قد يتمكن الفنان، بواسطتها، من إنجاز لوحته خلال يوم واحد؛ وبالتالي تساعده على استغلال إحساسه الذي قد لا يستمر أياما أو أسابيع، لكن الصعوبة في هذه التنقية يوضح مظهر نزار: أنها لا تغفر خطأ الفنان ولا تمنحه فرصة ثانية؛ وبالتالي فهي تحتاج إلى تركيز ومعرفة بالألوان ودرجات مزجها ومستويات استخدامها وكيفية استغلال كل منها في استنطاق كل مكون من مكونات المنظر.
انطلاقاً من ذلك يؤكد رامي المصفري، وهو من الفنانين المشاركين في الورشة، أن الرسم بهذه التقنية، لابد أن يكون احترافاً، كون اللوحة طبقة واحدة، ويستطرد:» إنها تقنية تحتاج إلى مُعلّم؛ وبالتالي فقد مثلت الورشة فرصة مهمة تعلمنا فيها على يد فنان ضليع بهذه التقنية، حتى أنني أنجزتُ، هنا، أول أعمالي المائية، بعد 16 سنة أرسم فيها زيتي وإكريلك». هذا النجاح الذي حققته الورشة منح مظهر نزار حافزاً للاستمرار، مستقبلاً، في تنظيم ورش في تقنيات أخرى، ولأعداد أكبر من الفنانين، مشيراً في حديث لـ «القدس العربي» إلى أهمية إسهام الفنانين والمؤسسات في ورش تطوير تجارب الفنانين الواعدين، خصوصاً في ظل ما تسببت به الأوضاع الراهنة في اليمن، من كساد تشكيلي، يُفترض، كما يقول، أن يستغله الفنانون الكبار على هذا الصعيد.
ولد ونشأ مظهر نزار في الهند وفيها أكمل دراسة الفن عام 1986؛ ليعود إلى بلاده وتبدأ تجربته في الحضور، متميزاً بعلاقة خاصة بالهوية والتراث، مُتنقلاً بين تقنيات متعددة، محققاً تميزاً نوعياً في أعماله الواقعية مع الألوان المائية المرتبطة بمناظر المعمار التقليدي، ومُسجلاً تميزاً ثانيا في أعماله التجريدية مع ألوان الإكريلك والغرافيك؛ وهي الأعمال التي تحضر فيها المرأة دائماً، لكن (حضورها القسري)، ليس أكثر من لغة، وفق مظهر.
يبقى السؤال: لِمَ ارتبطت الأعمال الواقعية لهذا الفنان بالألوان المائية، ولماذا كانت هذه الأعمال هي محور الورشة؟ يُجيب: لأن الأعمال الواقعية هي الأفضل تعليما لتقنية الألوان المائية مثلما هي الأصدق والأجمل تعبيراً عن طاقات هذه التقنية أيضاً.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى