‘دماء وردة الشفق’ رواية مفتوحة البداية

إذا كان قد شاع مفهوم “الرواية المفتوحة النهاية” في الفن الروائي، فإن “دماء وردة الشفق” تقدم شيئاً فريداً في تاريخ السرد الروائي، وهو ما يمكن وصفه بـ “الرواية المفتوحة البداية”، حيث يسعى علاء المحياوي لتحويل العام إلى الخاص، والحدث الآفل إلى الآني ثم إلى اللانهائي، حيث يتحول النص عنده إلى دائرة مستمرة الجريان، أو إلى دورة من دورات الحياة اللانهائية. تماماً مثل حياة كثيرين من أبناء الشعب العراقي الذين لا ما يزالون يدورون في حرب دائرة مستمرة لم تنطفأ نيرانها حتى اليوم.

يستعيد الروائي وفي سياق اجتماعي معين الأحداث السياسية في العراق في فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين.

ويفعل ذلك من خلال الشخصية الرئيسية في الرواية “يوسف سعد” وعائلته وأصدقائه والشخصيات الأخرى المكملة لسرد مشاهد من الصراع بين الحاكم والمحكوم، والدوران الدائم بين إثبات الهوية أو الانسلاخ منها والبحث عن وطن بديل “لا لن أعود أبداً” هذا ما قرره بطل الرواية “يوسف سعد ” بعد أن فقدت الأشياء معناها من حوله، تاركاً أسرته، حاملاً ذاكرةً مثقلة بالهموم، لا تمتلك إلاَّ مواجهة مصير مجهول، وذلك بعد أن تقرر إبعاده عن الدراسة وفصله من جامعة بغداد.

والتهمة الموجهة إليه هي الإساءة للعلم والتعليم، والتطاول على صرح علمي شامخ ممثلاً بأستاذ جليل، ونقد المناهج الدراسية التي تتبنى مبادئ الحزب والثورة.

هذه واحدة من القضايا التي تطرحها الرواية، لذلك فحكاية يوسف ستتبعها عشرات الحكايات لعشرات الشخصيات، التي سيلتقيها البطل في رحلته، وكان لكلٍّ منها حكايتها، وأزماتها، وهواجسها، وقد خرج بها الروائي من الواقع المعيش إلى الحلم.

ويبدو أن للحلم وظائف متعددة هنا في الرواية، فقد يُرهص بما سيأتي من أحداث أو يشكل متنفّساً عن قلق مقيم لدى كل شخصية ومهرباً من واقع قاسٍ أو يكون موضع إسقاط لأمنيات ورغبات تتوق الشخصيات إلى تحقيقها.

ولعل الرسالة التي يبعث بها الروائي المحياوي في «دماء وردة الشفق”، هي إلى أبناء وطنه، أن اتحدوا أيها العراقيون وخذوا العبرة من الماضي، وليقف كل واحد منكم وقفة هادئة مع نفسه، ويُعيد ترتيب أوراق عمره التي لطالما بعثرتْها رياحُ التمزّق والتخبّط.

• من أجواء الرواية نقرأ:

“… أكتب لكم هذه الكلمات الآن وأنا أتلفتُ حولي فأجد أنّ كلّ شيء يئنّ. كل شيء يقود إلى لا شيء. أصيخ السمع فيصمّ أذنيّ الصدى، وأمدّ البصر فلا أرى بصيص ضوء أمامي. روحي انكسرت وتدفقت منها الخيبة والانكسار.

حين تقرؤون رسالتي سأكون في أرض أخرى. سأترك العالم يقذفني فوق خرائطه ما شاء له، وسأفتح نوافذ العمر للرياح الغريبة. ومن يدري، لعلّ سماء الغربة تغمرني بأمطارٍ طالما حَبستها عنّي سماء الوطن. فأنا مذ فتحتُ عينّي على هذه الدنيا لم يفارقني لحظة الشعور بأنّ ثمة حقّاً سلبته الحياة منّا وسآخذه منها عنوة. إنّه حقكم في عيش رغيد ونعمة موفورة حُرمتم منها سنين طويلة في بلد غنيٍّ بموارده وبتروله. وكما قلت لكم، فأنا لا أعلم أين سألقي عصا التّرحال. ولكنّها محاولة لتلمّس خيطٍ من الضوء في ظلمة المجهول…”.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى