فن الحركات الإيحائية ينتشر على نطاق واسع في العراق

 

يحظى فن الحركات الإيحائية أو “البانتو مايم” وهو نوع من فن التمثيل الصامت المؤدى من قبل فنان أو مجموعة فنانين، بانتشار واسع في شوارع العراق.

ويهدف هذا الفن إلى التعبير عن الأفكار والمشاعر والآراء عن طريق الحركة الإيحائية للجسم فقط، وهو فن يصفه كثيرون بالجميل لسهولة فهمه واستيعابه من قبل الكبار والصغار على حد سواء.

ويتحدث المخرج المسرحي حسين درويش عن بدايات هذا الفن قائلا انه فرع من فروع المسرح الصامت انتشر في أوروبا مطلع القرن العشرين، تزامنا مع انتشار وازدهار فنون الشارع.

ويعتمد فن “مايم التماثيل” على محاكاة نصب التماثيل الموجودة في الساحات والشوارع العامة. والغاية منه خلق الدهشة والمتعة لدى المتلقي ولا توجد في الغالب فكرة أساسية يدور حولها محور العرض.

ولم تكن لهذا الفن أرضية مناسبة في العراق، حيث أن رواد التمثيل الصامت لم يتفتحوا على مثل هكذا تجارب ولم تكن هناك محفزات من قبل مؤسسات حكومية او فنية او من منظمات المجتمع المدني تشجع العمل على مثل هذه التجارب المعبرة.

ويتحدث المخرج حسين درويش عن تجربته الأولى بأنها كانت في احد منتزهات العاصمة مطلع عام 2015، مؤكدا تجربته تلك هي الأولى في العراق في هذا الفن.

وفي مطلع عام 2016 اتسعت دائرة المشاركين في هذا الفن الايمائي الصامت لتشمل مجموعة من الشباب المهتمين بهذا الفن وقدموا عروضا في شوارع بابل.

ويؤكد درويش أن هذه العروض اتسمت بأفكار يغلب عليها الطابع التثقيفي والتوعوي، فيما اتسم القسم الآخر من العروض على النقد السياسي والاجتماعي.

ويقول درويش حول استيعاب وتقدير الجمهور لهذا الفن، ان بعض الناس كانوا في البداية يشاهدون العروض باستغراب فيما يسخر آخرون منه ويهاجم قسم ثالث من الناس العروض ويعتبرونها ضربا من العبث.

ويضيف المخرج ان الانتشار الواسع الذي حققته العروض الأولى في وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في تعرف الناس بشكل اكبر على مضامين عروض مايم التماثيل وأهدافها فبدأ الناس يتقبلون هذه العروض تدريجيا حتى وصل الامر بهم الى حد والتفاعل والمشاركة.

هكذا أصبح فن مايم التماثيل متابعا من قبل الناس وقد ساهم انتشاره في مواقع التواصل الاجتماعي على تشجيع بعض الفرق على العمل في هذا الفن ونشره في محافظات العراق كافة بشكل مبرمج.

العروض الأولى تم إنتاجها بشكل شخصي حسب المخرج، مشيرا الى عدم وجود اي دعم من قبل مؤسسات حكومية او فنية ولكن بعد الانتشار تم تقديم عروض كثيرة مقابل أجور مالية.

وقال درويش انه لم تتم أي مشاركة دولية له او لجماعته لكنه حصل على دعوة من قناة (أم بي سي) لتقديم عروض على شاشتها من خلال برنامج عرب كوت تالنت، كما حصل على دعوة من قبل إدارة مهرجان القصر الكبير في المغرب، لتقديم أكثر من عرض لكنه اضطر لإلغاء المشاركة بسبب غياب الدعم الحكومي.

وأكد المخرج درويش في ختام حديثه أن انطلاقة هذا الفن في العراق كانت مغايرة عن التجارب التي تقدم في أوروبا حيث أن عروضه تتضمن فكرة يتفاعل معها الجمهور بعكس العروض الأخرى التي تعتمد الترفيه فقط.

ويقول علي عبادي ممثل فن المايم في مجموعة محافظة البصرة إن فن مايم التماثيل بدأ أول مرة في مهرجان القمرة في البصرة بإشراف المخرج حسين درويش وكان عدد المشاركين من الممثلين الشباب لا يتجاوز ثلاث شخصيات فقط.

ويواصل عبادي انه بعد الاتصالات والمداولات التي اكدت حرص المجموعة العاملة في هذا الفن على الارتقاء به بوصفه رسالة فنية وانسانية واعية تمثل نقدا خلاقا للمرحلة السياسية والاجتماعية بمختلف تناقضاتها ونكوصها، ازداد عدد المجموعة وتنوعت عروضها.

ويهدف فن المايم لإيصال رسائل الى المشاهد بطريقة الإيماءات الإيحائية للحث على حب الناس والعمل والحفاظ على البلد ونبذ الطائفية. ويسرد عبادي المزيد عن هذا الفن قائلا “نتعرض في أعمالنا للمشكلات السياسية والاجتماعية والمتغيرات الجديدة وكل ما يتصل بالرأي العام ونحاول عبر الفن الصامت إيصال هذه القضايا بطريقة فنية مختلفة وبعمل تطوعي في اغلب الاحيان”.

ويضيف “لا يوجد دعم من أي جهة لمجموعتنا ونحن لا نتبع أي جهة سياسية لان رسالتنا الفنية ذات طابع إنساني وأخلاقي ونحاول معالجة المشكلات المتراكمة في البلاد عن طريق هذا الفن بعد ان تحول المسرح العراقي الى وسيلة للضحك والابتزاز”.

ويقول عبادي إن “فن المايم ينتمي الى مسرح الشارع ونحن نسعى من خلاله لننشر رسالة فنية على نطاق أوسع، لأننا نعبر في أعمالنا عن الظلم والاضطهاد والحرمان الذي تعاني منه اغلب الفئات في العراق”.

ويقول هذا الممثل الشاب عن ردة فعل الناس ازاء الاعمال التي يؤديها الفنانون إن “هناك نظرة استغراب ممزوجة بإعجاب لأن الفن جديد على الناس لكن بمرور الوقت ازداد إعجاب الناس به وإقبالهم عليه وطلبوا منا تقديم الكثير من العروض”.

ويؤكد تقي السيد من مجموعة التمثيل في محافظة بغداد أن “هذا الفن يتناول جوانب إنسانية وفكرية ونحاول الابتعاد عن السياسة في عروضنا قدر الإمكان”.

ويضيف ان “الهدف من هذا الفن هو ايصال الأفكار الإيجابية الى الناس البسطاء في الشوارع بدلا من العروض المسرحية التي تقام في المسارح لضعف الحالة المادية لأغلب الناس ما يمنع كثيرا من الناس من ارتياد المسارح”.

ويلاحظ تقي السيد أثناء تأدية الأعمال نظرات الناس المشوبة بالدهشة والاستغراب لأن تجربة هذا الفن جديدة في العراق.

ويقول ان “بعض العروض التي نقدمها في المهرجانات تكون مدفوعة الثمن وتكون الأجور بسيطة للغاية، أما العروض التي نقدمها في الشوارع والجامعات فهي عروض مجانية”.

وتقول زينة حسن وهي طالبة جامعية شاهدت بعضا من هذه العروض التي قدمت في الجامعة واعجبت بها، ان “التغييرات الكثيرة التي حصلت في العراق افرزت وضعا معقدا يتضمن مشكلات عديدة لا بد من مواجهتها بوعي”.

وتضيف زينة ان “الأدوات الفنية والفكرية عاجزة عن موازاة الاحداث والمتغيرات وان هذه المجموعة الشبابية تبنت نمطا فنيا لم يكن معروفا في العراق ليكون معبرا عن المرحلة”.

وتقول حول استيعاب هذه الشابة للفن الإيحائي الصامت إن “الفن نوع من الاحتجاج، والممثلون الشباب يجذبونني بعفويتهم وأدائهم الصامت ومحاكاة التماثيل التي ينحتونها على أجسادهم”.

وتؤكد أنها لا تبذل جهدا كبيرا في فهم الرسالة التي يريد الممثلون ايصالها في عرضهم لبساطتها، داعية في الوقت نفسه وزارة الثقافة والجهات الفنية الى دعم الرسالة الإنسانية التي تحملها هذه المجموعة الفنية الواعدة.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى