اللبناني عبد الرّحمن المحمّد: جماليّة المنحوتة تكمن في المرأة

ليندا نصار

يطوّع النحات اللبناني عبد الرّحمن محمّد المحمّد، مواده بين يديه. كأنها استباق دائم، للغة فنه، الذي يستوحي بعضه من بيئة سكنه في البقاع. تبدو اعماله، على رهافتها، ايضاً توغل حرّ في اسئلة كثيرة، اولها حول الكيان وهيئته وحضور الجسد والاشياء في مساحتها. خصوصاً كيان المرأة التي اشتغل على منحوتات عدّة، تقارب عالم الحب والاغواء. فالمرأة ثيمة مميزة في اعماله. حاول عبرها التعبير عن حالات نفسية وروحية كثيرة، من الغضب والحزن والامومة. تخرّج عبد الرّحمن من معهد حيدر حمود، ولم يتابع فنّ الرسم بل عمل بالنحت لسنوات وما زال مستمرًّا. شارك في معارض كثيرة، وقام بورش عمل في مختلف أنحاء لبنان والعالم، كتركيا الجزائر تونس المغرب سلطنة عمان.
«القدس العربي» التقته وهنا نص الحوار:
• ماذا يعني لك النّحت وكيف يكتسب الفنّ جماله؟
○ النّحت هو الفنّ الّذي رافقني طيلة سنوات، وهو الجزء الّذي لا يمكن أن أتخلّى عنه. يكتسب الفنّ جماله من تواضع الفنّان، ولا يكون سقوط هذا الأخير، إلّا عندما تغلب النّرجسيّة على أساس الفن. إنّ التواضع لا يعني السطحيّة بل الوضوح، أي أن يكون عميقًا ومقروءًا وشفافًا في آن.
• إلى أيّ مدرسة تنتمي، ومَن هو أكثر نحّات أثّر فيك؟
○ لم أتأثّر بأحد. لي مدرسة خاصّة تعبّر عن أفكاري، ومعظم النحاتين مثلي يعيشون في حوار مع الجسد في حركته الإيمائيّة. جسّدتُ في أعمالي المرأة وتاريخها بطريقة خاصّة لا تشبه أحدًا.
• ما هي الطّريقة الّتي تعتمدها لإيصال الفكرة إلى المتلقّي؟ وإلى أيّة فئة تتوجّه في أعمالك؟
○ إنّ كل عمل تجريديّ ينقل الفكرة الى المتلقّي بشكل مقروء وواضح، يعني أنّه ناجح. أنا ضدّ سيطرة الغموض على العمل، فالغموض «ديكور». لكلّ فنّان أسلوب ورؤية فنّيّة تختلف عن غيره. بالنّسبة إليّ، الكلاسيكية بحدّ ذاتها مثلًا فن منفصل ومختلف، والبيئة هي الّتي تبلور الفنان وتمنحه أساسه ومركزه وأفكاره. أتوجّه في أعمالي إلى كلّ الفئات لإيصال الفكرة بإحساس راقٍ إلى كلّ الأعمار والفئات. يحكم النّاس على الأعمال المعروضة انطلاقًا من أذواقهم، ولكن إذا تشابهت قراءة العمل الواحد وتأويله، نذهب الى الإجماع في الحكم عليه بأنّه واضح وناجح.
• ما هو مصدر إلهامك، وما هو النّوع الّذي تعمل عليه لتجسيدها؟
○ المرأة هي موضوع وحوار الثّقافات وقد اتّخذتها عنوانًا لمواضيعي. إنّ جماليّة المنحوتة وإثارتها تكمن في المرأة في جميع حالاتها كالغضب والعنف والحزن والفرح… وعلى الرّغم من هذه الحالات، تبقى صورتها شفّافة وعاطفيّة.
• ما هي الموادّ الّتي تستخدمها في في صنع المجسّمات؟
○ أستخدم كلّ أنواع المواد، لكنّي أميل بشكل خاصّ إلى الخشب إذ أجده الأكثر إحساسًا على الرّغم من صعوبة تنفيذ العمل عليه.
• ما الفرق بين الكلاسيكيّة والحداثة وإلى أيّ مدى تعبّر عن الحداثة في مجسّماتك؟
○ إنّ كلاسيكيّة المنحوتة تظلّ جامدة غير متطوّرة، ما قد يبعد النّاس عنها. بينما دخول العناصر الجديدة إليها كالحركة والسّماكة الإضافيّة من خشب وزجاج، يجعلها تتّخذ معنى آخر لها، فتبدو القطعة متّزنة.
المهمّ في فنّ النّحت كيفيّة إحياء الجماد. وهنا نأخذ مثلًا الفرق بين النّحت الكلاسيكيّ والنّحت الحديث مثلاً: جدل رجل وامراة على بعضهما البعض بشكل لولبيّ جميل هذا بحدّ ذاته يعتبر مزجًا للحداثة بالكلاسيك.
• ما هي الطّريقة الّتي تعطي الحياة الى الجماد ؟
○ القطعة هي أساس فنّ النّحت فكلّما بذل النّحّات مجهودًا في تنفيذها، بدت ناجحة وقريبة من المتلقّي. وكلّما وهبها إحساسًا، منحته حنانًا وانسيابًا.
• هل أثّرت المكننه سلبًا أو إيجابًا في طريقة العمل النّحتيّ؟
○ هناك عدّة طرق لتنفيذ العمل منها ضرب المنحوتة بالرّمل ثمّ العمل بالإزميل الذّي يمنح القطعة رونقًا خاصًّا. بالنّسبة إليّ، إنّ المكننة في تطوّر مستمرّ، والأعمال المنحوتة على «اللّايزر» معظمها فارغة من المعنى. «اللايزر» ينحت وجهًا كاملًا، ولكنّه لا يعتبر عملًا فنيًّا يدويًّا إذ أنّه لا يدخل في تفاصيل القطعة. فللعمل اليدويّ جمال مميّز وهو يبعث إحساسًا فريدًا من نوعه.
• كيف تنظر إلى واقع النحاتين اليوم؟
○ وضع النّحّاتين سيّء إلى حدّ ما في لبنان، خصوصًا الجدد أو غير المعروفين منهم. يعمل النّحّاتون لتحصيل لقمة عيشهم، ما يؤدّي إلى عدم تفرّغهم فيشكّل ذلك عاملًا معاكسًا بالنّسبة إليهم.
• مرّ فنّ النّحت بفترات صعبة إثر تأثّره بالظّروف الرّاهنة للمنطقة. واليوم كيف تجد الإقبال عليه؟
○ مرّ النحت بفترات صعبة خلال الحرب وقد ظلّت الحركة ناشطة لكن بصعوبة. فالفنان كتلة إحساس يتفاعل مع الوضع والمشهد. مع ذلك تفوّق الفنانون في لبنان. بعد الحرب، شعرنا باقترابنا من بعضنا البعض. كما أنّ الفنانين لم تسيطر عليهم فكرة المذهبيّة أو التّعصّب، والدليل على ذلك أننا نجد في المعارض فنانين من مختلف الفئات، وقد تنشأ بينهم صداقات.
• يشهد الفنّ غيابًا للنّقد. ما هي أسباب هذا الغياب؟
○ يفتقد الفنّ التشكيليّ في لبنان إلى الأشخاص المستقلّين الذين يطلقون كلمتهم بكلّ جرأة وحرّيّة. كما يحتاج النّقد إلى الموضوعيّة والصّدق، وهذا غير وارد في لبنان والدّول العربيّة، ما يؤدّي إلى غياب النّقد.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى