لا نجاة لمثقف مؤدلج من خطر السرديات

قال الشاعر العراقي باسم فرات: «لا نجاة لمثقف مؤدلج، من خطر السرديات، فهي زوادته، وبما أن التاريخ حتى القريب منه، نضح خطابات مؤدلجة، وإشاعات نَفي، أو سرديات أمجاد أساسها النفي للآخر، فلا بدّ من أن يمتطيها المؤدلجون مثلهم مثل كل ساذج يردد ما تبثه وسائل إعلام مُعَيَّنة تلبي الضغينة في داخله. في العصر العباسي، ولا سيما المتأخر منه، تمّ بناء سرديات أمجاد فارسية، أساسها نَفي العرب، وإزاحتهم من مواطنهم التاريخية في العراق وبلاد الشام وعلى امتداد مساحات شاسعة من وادي النيل، ليتم رميهم بالصحارى، هذه الصحارى التي لو دققنا النظر فيها سنجدها بوادٍ لا علاقة لها بالرمال، فهي صلبة لا تختلف عن أرض الهلال الخصيب، وتختلف عن أرض ليبيا. السرديات الفارسية مبنية على البناء، بناء أمجاد متوهمة للفرس، وهدم كل ما هو عربي، وبلا تمحيص تلقفنا الذي خطته الأوهام الفارسية، ولم نسأل أنفسنا كيف ذلك؟ ولا وجود لشعراء وباحثين ومؤرخين وأدباء كتبوا لنا بلغة فارسية، ونعرف أماكن وأوقات ولاداتهم ووفياتهم، بينما نجد هذا واضحاً في اللغات الثلاث، وهي السريانية واليونانية واللاتينية، وهي التي سبقت اللغة العربية فقط». ولفت فرات إلى أن شبه الجزيرة العربية «محاطة بمياه بحار وخلجان ومحيط، وأن نهر الفرات هو حدها الأعلى، فأكثر من نصف مساحة العراق تُعدّ جزءًا من شبه الجزيرة العربية، وأن بواديها كانت أكثر خضرة بكثير مما عليه اليوم، بل إن نظمها البيئية، وطبيعتها الجغرافية، من الثراء والتنوع، ما يجعلها متحفاً جيولوجيّاً، وإذا كان النيل هبة مصر، فعلينا أن لا نغفل أن نحو 90 في المئة من مساحة مصر تعدّ صحراء، والأمر ينطبق على شمال السودان. بينما التنوع البيئي في شبه الجزيرة العربية، منحها مميزات إيجابية، ما جعل الغرباء يطمعون فيها، إذ وصف المؤرخون الإغريق أهلها بأنهم «أصحاب ثراء فاحش»، وهذا واضح تماماً في أمرين، الأول أن اللغة العربية التي تُعد واحدة من أكثر اللغات ثراء ودقة دلالة، والثاني ثراء شعر ما قبل الإسلام، الذي كان فقيراً في أمر واحد وهو عدم ذكره للصحراء التي هي الربع الخالي غير المسكون»، موضحاً أن الإشاعة المناوئة للعرب التي تمّ تبنيها انتصرت، «فراح يرددها الجميع، بلا تفحص وتأمل، وأصبحت أقلية تسكن البوادي، أطلقوا عليهم الأعراب، هم العرب فقط لا غير، أي تمّ نفي الغالبية من محيطهم الزراعي والمديني، إلى الصحراوي الذي ينحصر في بقعة فارغة من السكان. ثمة مراكز حضارية عدة، ولا يمكن تجاهل أي مركز مهما كان، فمكة والمدينة من المراكز الحضارية، وإن كانت البصرة والكوفة وواسط وبغداد والموصل ودمشق وحلب والقاهرة وسواها من المراكز الحضارية، أكثر إشعاعاً وأضخم منجزاً، لكن نفي أي منجز لشبه الجزيرة العربية ورميهم بأنهم ليسوا سوى «سُرَّاق إبل» فذلك إشكال، يستحق أن يُدرس الأنساق الثقافية والحوامل الاجتماعية التي تقف خلف مَن يؤمن ويشيع هكذا اتهامات تعميمية باطلة».

(الحياة)

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى