ميادة بسيليس تضيء دار الأوبرا ووزارة الكهرباء تطفئها!

سامر محمد اسماعيل

فاجأت الفنانة ميادة بســيليس جمهـورها «في دار الأوبرا السورية»، بأدائها لأغنية شارل آزنافور (comme ils disent)، والتي كتب لها كلمات النسخة العربية سمير كويفاتي، لتصبح بعنوان «ويضلوا يقولوا» من إعداد موسيقي للفنان كمال سكيكر. الأغنية التي قام الفنان الفرنسي من أصل أرمني بأدائها منتصراً لحقوق المثليين في المجتمع الفرنسي، جاءت بطبعة سورية جديدة، إلا أنها ذهبت هنا نحو مخاطبة الآخر المختلف سياسياً ودينياً، مُسقِطةً موضوع الأغنية الأصلي، نحو ما يشبه تناصاً موسيقياً وكلامياً كان الثنائي «بسيليس وكويفاتي» قد خاضاه سابقاً مع أغنية «will always love you ـ سأحبكَ دائماً» لمغنية البوب والممثلة الأميركية الراحلة ويتني هيوستين لتصبح في نسختها السورية: «رح دايماً أهواك».
خلخلة السائد
محاولات «الثنائي الحلبي» لم تتوقف منذ نهاية تسعينيات القرن الفائت، في تقديم مغامرات على صعيد خلخلة السائد في قوالب الألحان التقليدية وأشعار الأغنيات (كتب معظمها سمير طحان) التي قدماها معا منذ إطلاقهما لألبومهما الأكثر شهرةً «كذبك حلو». الأغنية التي لم تغب عن برنامج الحفل الموسيقي الكبير الذي أحيته المطربة السورية، مفتتحةً الدورة الثالثة من «مهرجان الموسيقى العربية الثالث – سيرياتل» برفقة «الفرقة الوطنية السورية للموسيقى العربية» التي قدمت هي الأخرى بمشاركة أكثر من ستين عازفا وعازفة خمس عشرة مقطوعة وأغنية بقيادة المايسترو عدنان فتح الله، تضمنت توليفة من أغنيات ميادة الأكثر شهرةً كان أبرزها «يا طيوب» و «يا غالي» في حين أطلقت صاحبة «يا محلا الفسحة» ألبومها الغنائي الجديد «أنتَ بقلبي» الأغنية التي ترقرق فيها صوت بسيليس متدفقاً بقوة وعذوبة عبر طبقات صوتية عالية، مزجت بين مقامات شرقية وغربية، مضفيةً حساسية لافتة في تنويعات وعُرب متينة وقدرة على تنغيم الكلمة وتحميلها شجناً إضافياً.
بموازاة ذلك حققت «أيقونة الفن السوري» كما أطلق عليها برنامجُ المهرجان الدمشقي، سابقة في تاريخ الحفلات التي أقامتها الأوبرا السورية على طول سنوات الحرب الست المنصرمة، فما ان أُعلن عن فتح باب شراء البطاقات من شباك تذاكر الدار حتى نفدت كلها في ساعات قليلة، ما شجع إدارة المهرجان على تمديد الحفل يوماً ثانياً لاستيعاب طلب الجمهور الكثيف لحضور مطربته المفضّلة؛ والتي اختطت مع شريك دربها في الحياة والموسيقى أسلوبية جديدة في مخاطبة وجدان «السميعة» محققين بذلك إضافة لافتة لمكتبة البلاد الغنائية.
إسقاطات سياسية
جمهور الأوبرا السورية هو الآخر رافق بسيليس طيلة الحفل بتصفيق وهتاف متواصلين، معبّراً عن تعاطفه مع مقولات الأغاني التي اختارتها للأمسية الدمشقية، لا سيما أغنية «وسّختوا الصابون» والتي كان لها أثراً كبيراً لدى الحضور الذي اشتمل في معظمه على شرائح عمرية شابة، ربما لأنه ـ ولأول مرة ـ شعر هؤلاء أن الأغنية يمكن لها أن تعبّر عن قطاعات واسعة منهم، خصوصاً أن إسقاطاتها السياسية جاءت واضحة وصريحة ضد أمراء الحرب وغلاة التشدد الديني. هكذا وجدت السيدة الحلبية نفسها محاطةً بجيل كامل لا أغنية له، سوى تلك الأغاني ذات الطابع السياسي الذي غلب عليه سمة البروباغاندا المنحازة لهذا الطرف أو ذاك.
بالمقابل، لم تستطع بسيليس إخفاء دموعها عند نهاية كل وصلة من برنامجها الفني المتنوع، فبدت عند أدائها لأغنية «حلب» مندفعةً بقوة نحو استحضار مدينتها التي تشهد خراباً متفاقماً بعد اشتداد القتال الدموي في الأسابيع الأخيرة، في حين أهدت المغنية السورية عاصمة بلادها أغنية جديدة حملت عنوان «سرّي في الشام» كتبها عماد فوزي الشعيبي، لتتلوها بأغنية «الشهيد ـ وعد شرف» كتبها لها الفنان أيمن زيدان، لتتبعها بأغنية «يا جبل ما يهزّك ريح» كخاتمة لهذه الأمسية التي شهدت حضوراً لعازفي الصف الأول في قوام «الفرقة الوطنية للموسيقى العربية» برغم أن أجور كل من هؤلاء؛ لم تتعدَّ في الحفلين 22 ألف ليرة سورية (أقل من خمسين دولاراً) لكل منهم!
كهرباء مسروقة
سوء الأجور لم يمنع هؤلاء من إعادة الدفء لليالي الأوبرا السورية، فهم ما زالوا يصرون على عدم خذلان جمهورهم، حيث تأتي حفلات «مهرجان الموسيقى العربية الثالث (18- 27 آب) في ظلّ ظروف صعبة وقطع متواصل للكهرباء ما دفع الموسيقي جوان قره جولي مدير الدار إلى الكتابة على صفحته على (الفيس بوك) مناشداً وزارة الكهرباء: «الدار لليوم الخامس على التوالي تقيم حفلاتها على المولّدة بمصروف ١٠٠ ليتر مازوت بالساعة، والسبب هو أن مؤسسة الكهرباء قطعت التيار عن الدار لوجود فاتورة غير مسددة! والمؤسسة أنذرت الدار: (معكم يومين لتسددوا وإلا سنقطع الكهرباء نهائياً عن دار الأوبرا») الكاتب حسن م. يوسف علّق على هذا السلوك من قبل وزارة الكهرباء السورية فقال: «إن قطع التيار عن دار الأوبرا التي هي أهم مراكز الإشعاع الثقافي في البلد، لا يعبّر عن انعدام الشعور بالمسؤولية وحسب، بل يعبر عما هو أسوأ وأخطر، خاصة أن من اتخذ هذا القرار الأرعن يرفض تأجيل دفع فاتورة لمؤسسة ثقافية وطنية لبضعة أيام، وفي الوقت نفسه يغض النظر عن بعض المتنفذين الذين يسرقون التيار الكهربائي نهاراً جهاراً».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى