الفنانة التشكيليّة أحلام لمسفر في «متألقات»

مبارك حسني

أحلام لمسفر فنانة تشكيلية تعشق اللون مجرداً وتمنحه وجوداً صارخاً. وبرنامج «متألقات» على القناة الأولى المغربية كان موفقاً حين قدمها للجمهور العريض، بخاصة المشاهدات. فهنا تجب اﻹشارة إلى أن المتألقات المعهودات يبرزن في مجاﻻت أقرب إلى ما هو نسوي عادةً. إطلالة على حلقات من البرنامج توضح ذلك. هنا حملت معدة البرنامج عدستها ودخلت مشتل رسامة تفوح منه رائحة الصباغة التي تلطخ كل شيء قبل أن تعطي منتوجاً إبداعياً ﻻ تخجل منه العين وﻻ تخشاه اﻷجساد عند الاقتراب من عوالمها الملونة بألق جميل.
نرى الفنانة بوزرتها وهي تنحني على طاولة/ مسند تضع طبقة أولى من الصباغة البيضاء، لفتح صفحة القماش للوحي كي يمد اليد بما تيسر من لون وآخر قريب منه لخلق حوار أولي قد ينجم عنه تشكيل غير منتظر. هنا تتدخل المقدمة لتسأل الفنانة عن طغيان اللون اﻷحمر في أعمالها. مفاجأة، فهذا سؤال لا علاقة له بما نراه يرتسم. ﻻ يهم، تجيب الفنانة بأن ذاك مرتبط بمرحلة ماضية في حياتها، ﻻ يمكن أن تشتغل فيها إلا على اﻷحمر. طبعاً، هذا اللون عنوان حيوية وعنفوان واتقاد عواطف، شباب وحركة قصوى، وبحث محموم. أما اﻵن، فهي منخرطة تماماً في مرحلة اللون الرمادي واﻷزرق.
والحق أن ما يطالعنا عبر الشاشة الصغيرة يجلب العين ويؤثر في النفس. اﻷزرق مقتراً عن قصد يتجلى مجرد شريط يقسم لوحات تطغى عليها مختلف تعبيرات الرمادي والداكن. هي مرحلة الحكمة والوصول إلى عمق استشراف التشكيل للتعبير عن قدرة اللـون على خـلق الهنـاء وتـمرير التـفكير الطويل العميق في اﻷشياء والوجود.
خلف الرسامة تظهر لنا تنصيبات مثل أشباح داكنة لأشخاص يمشون ويتحركون في فضاءات مختلفة تشبه سديماً مدينياً. هو عمل للفنانة أحلام لمسفر عملت عليه طويلاً وقدمته ذات سنة في رواق المعهد الفرنسي. لكن البرنامج لم ينتبه الى قوة ما يوحي به هذا المنحى الثاني في مشوار الفنانة الإبداعي، ومر عليه مرور الكرام. ربما أعوزه الوقت، وربما كان هدفه أن تتحدث الفنانة عن نفسها أكثر من فنها. وليس في ذلك ما يعيب. فليس كل معدي البرامج التلفزيونية ضليعين في دهاليز الفن التشكيلي. وهكذا يتعرف المشاهد إلى الحضن الذي ترعرعت فيه الفنانة. فهي سليلة بيت تملأه الموسيقى عبر ضيوف من عيار ثقيل مثل عبدالقادر الراشدي والطيب لعلج وأحمد البيضاوي… في مدينتها «الجديدة» أو مازغان في تسميتها القديمة، حيث يلتحم أزرق المحيط اﻷطلسي مع اﻷسوار القديمة. هنا تفتقت موهبتها التي قاومت من أجلها وسافرت إلى فرنسا حيث درست في معهد فني راق اﻷسس اﻷكاديمية للرسم.
التكوين هذا لم يمنعها من الاعتراف والتذكير بوجود فنانين مغاربة من عيار ثقيل تكونوا من تلقاء ذاتهم، على غرار الفنانة الشهيرة الفطرية «الشعيبية» التي تحدّث البرنامج عنها في فقرة موازية.
والحق أن التعريف بالتشكيل المغربي في صيغته النسوية أمر يجعلنا نكتشف أن هذا الفن ﻻ يعترف إلا بالموهبة والقدرة على التجديد اﻹبداعي الذي ترتبط فيه العاطفة الجياشة بالذهن وبالأنامل فقط. لا معنى فيه للذكر واﻷنثى. وهو ما تأكد من خلال شخصيات أعطت شهادات مادحة وصريحة في حق أحلام لمسفر في ختام الحلقة، ومنهم وزير الثقافة اﻷسبق الشاعر محمد اﻷشعري الذي لم يفته التذكير بخصال أحلام اﻹنسانية والفنية معاً، وربما هي ذاتها ما جعل أكاديمية الفنون الباريسية تمنحها جائزة استحقاق رفيعة.
برنامج «متألقات» سلّط الضوء على بعض من منجز فنانة مغربية لها حضور حقيقي في المشهد الفني التشكيلي الذي ﻻ يعرف إلا أسماء قليلة مجددة وبصمة شخصية بينة.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى