التشكيلي عبد اللطيف الزين يؤرخ حضارة وعادات المغرب

محمد معتصم

الأعراف والعادات والتقاليد المغربية كامنة داخل، الفنان عبد اللطيف الزين (مواليد مراكش 1940). هو يعمل جاهدا على الحفاظ عليها كموروث ثقافي عبر تفرغه لرسم أشياء بدأت تختفي مثل زي الدفينة والتشامير، وأشياء من اليومي المعيش. لقد أنجز تأريخا خاصاً للحضارة والعادات في بلده. لا يضع للشخص ملامح ولا يحدد معالم المكان، وهي خاصية تميزه ويتفرد بها.
وهكذا، يبقى في أعماله للحلم مجال، تاريخ تدونه لمسات لونية تتعالى، لتصبح بطريقة أو بأخرى تجريدية. مشاهد لوحات الزين يرى بقعاُ لونية لكن ما تلبث أن تنكشف اللوحة ويصبح التفصيل محسوساً ويمنح للمشاهد نوعاً من الحلم .
الزين، ملون قبل أن يكون رساماً، يؤمن أن الفنان التشكيلي البارع هو الذي يستطيع ترويض الألوان ومعالجتها، لتكون متناغمة مع بعضها بعضاً ومتعددة. كذلك تحضر المرأة بقوة، في أعماله ، فهي رمز الأم والأخت والمناضلة والأنثى، باعتبارها كائناً شفافاً. هو يدرك أن الفنان يجب أن يملك حساسية مزدوجة، لكي يبدع ويتفوق، وأن يلبس المرأة ألواناً، لأنها، في اعتقاده هي أساس اللون، وبذلك تجده منجذبا بقوة للون، خاصة في حضرة موسيقى كناوة.
يحتفظ هذا الفنان، بذاكرة غنية يدون فيها كل خصوصياته الحضارية والتراثية الإنسانية المتجذرة في الزمان والمكان. المدن العريقة حاضرة في أعماله كتراث معماري عريق يؤرخ لتاريخ المغرب الغني والعميق. نجد مدنا عريقة كفاس ومراكش ومكناس والصويرة، وأيضا جامع الفنا والكتبية. ثمة في لوحات الزين، سير متعمد وراء الإيقاع والموسيقى، إذ أن «الأصوات تلهمه الألوان»، كما يقول، متابعاً «انطلق من صوت خام لأعطي فنا خطياً من الجاز، فتولد أشكال سرعان ما تغطيها بقع مرشوشة وخطوط ممتدة».
ظلال الموسيقيين تغمر، في اللوحات، بقع وفواصل وزخارف عربية وخطوط براقة ساطعة، فهو «هؤلاء الموسيقيين يتقاسم ملاك الإلهام»، كما يوضح، مضيفاً «العلامات التي أخطها على اللوحة لا تحمل أي معنى، لكن لها حمولة وجدانية».
يعمل الزين كذلك، على إدماج الفن في الرياضة، والعكس. ممارسة عابرة هي أساس كل مشهد، حيث تسعى «ألوان الرياضة» إلى تخليد وتجسيم العابر، أي جمع الرياضة والفنون التشكيلية. لقد تفرد في هذا العمل الفني وتميز به، وهو عمل أصيل وغير مسبوق في تاريخ الفن المعاصر، إبراز آثار مراوغات كرات القدم والسلة والتنس والغولف وكذا عجلات الدراجات وأقدام حاملي الأثقال التي لا تسلك دائما المسار نفسه، تصبح تلك العناصر كلها فرشاة الفنان. وتأتي أهمية العمل من كونه يقدم فنا عالميا ومقارنة إبداعية فريدة تنتمي لفن ما بعد الحداثة.
الزين يبقى فنانا معاصرا ومميزا وأحد الأسماء المألوفة والمتجذرة بقوة في عالم الفن التشكيلي المغربي والعالمي، لأن لوحاته تنبعث منها قوة النار المركزية التي تشد المشاهد اليها بقوة روحانية استثنائية. هذه النار، وهذه الألوان المتقلبة تصدر عن حيوات تسكن اللوحة وتشكل حركيتها الذاتية .

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى