قاسم ملحو: ذبحتنا الأعمال «الصينيّة»

أمين حمادة

يثبت البحث في أرشيف الفنّان قاسم ملحو، أنه من غير الممكن إيجاد دور واحد يجسّده من دون بصمته الخاصة والحقيقية، فيلغي إمكان أن يحتمل دوره في الخير أو الشر وما بينهما، ممثلاً غيره في مخيلة المشاهد الذي يرى في «الدور الثاني» بطولة مطلقة بسببه. يؤكد الممثل السوري، المتقدم في الصف الأول «فنياً» والثاني «تسويقياً»، في مقابلة لـ«الحياة»، أنه لا يشعر بالظلم لأسباب كثيرة.
يقول: «أعرف نفسي ماذا زرعت وماذا أحصد، فأنا إشكالي في الوسط الفني، أقول آرائي بكل جرأة، لا مسايرة إلا في حدود متدنية جداً لا تكذب، وهو الذي لا يفعله الآخرون. العلاقة بالمنتج والمخرج تأخذ شكل التبعية، وأنا أرفض ذلك». ويضيف: «مشكلتنا أنه ليست لدينا مرجعية! أبكاني النجم الكبير أحمد زكي عندما قال إن حياته انتهت بوفاة عرابه صلاح جاهين، أنا ليس لديّ عراب، لا يوجد شخص ألجأ إليه فأسأله عن النصح. كان لدينا صديق هو نضال سيجري، شكّل كتفاً وسنداً لي ولغيري، لو ظلّ على قيد الحياة لكان أصبح هو عراباً. لا يوجد شريك في الوسط الفني تثق به لتخبره كل شيء».
ويربط ملحو «الإشكالية» في سلوكه بعدم استطاعة أكثر من عشرين عاماً في دراما المسرح والتلفزيون والسينما والإذاعة وحتى الدبلجة منذ انتقل إلى العاصمة السوريّة دمشق، تغيير أبرز ملامح شخصية الآتي من حي صلاح الدين في مدينة حلب كـ»ابن هذه البيئة الشعبية». يروي كيف ينعكس هذا «الشارع» في أدواره، ويعلّم معظم مفاصل مسيرته الفنيّة: «في بداية دراستي في المعهد العالي للفنون المسرحية، كرهت أهلي غير المتعلمين حين رأيت زملائي من أبناء النخب، مثلاً لم أسمع بتشيخوف من قبل، بينما زميلتي أميّة ملص قرأته في طفولتها، رد الفعل كان باجتهادي في القراءة أكثر، مع ربطه بغنى الشارع والرصيف، أنا أحب الجلوس في مقهى الرصيف وليس كالمشاهير في الداخل»، مضيفاً: «اليوم أفتخر بأهلي وجميلهم، إذ اكتشفت أنه من الطبيعي أن يرسل الفنان أو الرسام أولاده الى المعهد، لكن أن يقوم أبو محمود الرجل غير المتعلّم بذلك في حينه، فذلك هو الاستثناء».
ويتذكر ملحو المطبات التي وقع فيها وتعلّم منها بسبب نشأته بين «أهالي الحي الشعبي الطيبين والعفويين»، قائلاً: «في حفلة التخرج، اشتبكت بالأيدي مع صديقي وأخي النجم باسم ياخور وابن دفعتي، هذه الحادثة أذتني طبعاً، فوصفت بأنني عدواني وأزعر، ثم خسرت أعمالاً كثيرة عرضت عليّ لأنّني سعيت الى طلب أجر عالٍ بسبب تصديقي أكاذيب بعض الممثلين في شأن أجورهم، وخسرت أعمالاً أخرى لأنّي رغبت في تجسيد أدوار مغايرة عن تلك التي عرضت عليّ». ولا يشعر ملحو بالحرج من القول «نعم باسم ياخور نجم، وأنا لست كذلك»، في جواب يثبت العفوية مقابل النرجسية السائدة في الوسط الفني.
يفتتح ملحو موسمه الدرامي الجديد، بمشاركته في بطولة المسلسل التاريخي «أحمد بن حنبل» (محمد اليساري وعبدالباري أبو الخير) بدور «أحمد بن أبي دؤاد». يصف الشخصية بـ»قاضي القضاة العدو اللدود للإمام أحمد بن حنبل، والذي يدخل معه في صراع طويل». ويلفت إلى تغير أدوات الممثل في الأعمال التاريخية موضحاً: «لا تكون طبيعياً كما تحب. مثلاً، العمامة الضخمة على رأسك واللحية التي تلصق يعيقان حركة الفكين. لذا تعتمد على التعبير أكثر بالعينين والصوت وأسلوب الإلقاء بالفصحى والتمكن منها». كما يشير إلى المعوقات التي واجهها العمل بتبديل مواقع التصوير من إسبانيا إلى تركيا والمغرب وأخيراً لبنان، بسبب صعوبة منح تأشيرات الدخول للسوريين. ويلفت إلى تكاليف فنيّة أخرى تدفعها الدراما التلفزيونية بسبب الأزمة في وطنه، يتقدمها انتشار «الأعمال الصينية» على حد وصفه، قائلاً: «ذبحتا هذه المسلسلات. بتنا نفضل تقديم عدد كبير من الأعمال بإنتاج قد يساوي أحياناً أجر ممثل واحد، والاستعانة بمخرج درجة رابعة وممثل درجة ثالثة، إذ هناك سقف متدنّ لشراء العمل في الداخل». ويرى أن «الحلّ يكمن بوجود أكثر من منبر سوري لعرض أعمالنا، ما يبعدنا أيضاً من البقاء تحت رحمة العرض الخارجي».
وإلى جانب الثمن الفني، يدفع ابن حلب نصيبه الشخصي من المأساة السورية بعدما حوصر أهله في مدينة منبج من دون أي خبر عنهم لأيام. يتحدث عن تجربته المرّة: «مثلي كمثل كثر في سورية، دفعنا فاتورة الحرب. مرّت فترة لم أعرف أبداً أين أهلي ولم تكن هناك أي وسيلة اتصال. فكرة أنه لا يمكنني إنقاذهم من الموت صعبة جداً، شعور العجز مرعب، أشبه بموت على دفعات. حاولت الاستنجاد بمن أعرف ومن أجهل، إلى أن اطمأن بالي بعض الشيء على والديّ اللذين عانا الأمرّين، واضطرا للركض تحت رصاص القنّاصة، مع أنهما تجاوزا سن الثمانين».

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى