السينما البرازيلية في بيروت.. محطة بين السامبا وكرة القدم

علي زراقط

تنعقد الدورة الأولى من «مهرجان السينما البرازيلية» في بيروت بين 31 آب و3 أيلول 2016، في سينما «ميتروبوليس» (سوفيل)، وبدعم ومبادرة من «المركز الثقافي البرازيلي» «Braziliban” والسفارة البرازيلية في لبنان. أفلام تدخل عميقا إلى قلب المجتمع البرازيلي ومشكلاته، لتذكرنا أن هناك أشياء أخرى غير «السامبا» و»كرة القدم». هنا إطلالة..

هناك بلاد لم تُسعفها السمعة والدعاية في التسويق لسينماها، إذ لم تُتح لنا الفرصة الحقيقية لمتابعة هذه السينما بالشكل الكافي. لم يصل إلينا من البلاد التي تشتهر بالكرة والسامبا، الكثير من الأفلام. إلا أن آخر ما نال الشهرة منها، يؤكد لنا أن ما فاتنا يستحق المشاهدة. منذ انحسار تيّار «السينما الجديدة» الذي نشأ خلال ستينيات القرن الماضي، لم نتعرّف إلى الكثير من الأفلام البرازيلية حتى أواخر القرن المنصرم عندما اشتهر فيلما «أربعة أيام في سبتمبر» (1997) للمخرج برونو باريتو، و»المحطة المركزية» (1998) للمخرج والتر سالز، ومن ثم فيلم «مدينة الله» (2002) لفرناندو ميريللس وكاتيا لوند.
لطالما كانت هوليوود هي المسيطرة على صناعة وتجارة السينما في لبنان فلا يهتم الجمهور إلى الأفلام غير الناطقة باللغة الانكليزية إلا نادراً. لذلك فإن اطلاق مهرجانات للسينمات العالمية التي تنقل لنا سينما شعوب مختلفة، قد تتقاطع ظروفها مع ظروفنا، وسبل إنتاجها السينمائي مع سبل الانتاج السينمائي في لبنان، يبدو حلّاً وحاجة لأجل توسيع دائرة المشاهدة السينمائية في لبنان.
التعامل الإنساني
بين الواحد والثلاثين من آب والثالث من أيلول، تنطلق النسخة الأولى من مهرجان السينما البرازيلية، بعرض فيلم «نيز: قلب الجنون» (2015) للمخرج روبرتو برلينير، بالإضافة إلى ثلاثة أفلام طويلة أخرى وفيلمين لبنانيين قصيرين.
فيلم الإفتتاح «نيز: قلب الجنون» يقتبس القصة الحقيقية للطبيبة النفسية نيز دا سيلفا التي دخلت إلى عالم المرضى النفسيين قالبة مقاييس التعامل معهم إلى طريقة أكثر إنسانية. في الأربعينيات من القرن الماضي خرجت نيز دا سيلفا من السجن الذي دخلته على خلفية انتماءاتها الماركسية، لتدخل إلى مستشفى للمرضى النفسيين متبنّية طريقة جديدة بالتعامل مع المرضى عبر الفن. من خلال رحلتها هذه، ندخل إلى عوالم هؤلاء المرضى وكيفية تفاعلهم وتحسن حالاتهم. يسخى الفيلم في إفساح الوقت لحكايات المرضى، مهملاً الصراعات الداخلية للطبيبة في قراءة مشبعة بالمشاعر الانسانية. حاز الفيلم على جائزة أفضل فيلم وأفضل ممثلة في «مهرجان طوكيو الدولي»، وجائزة الجمهور في مهرجان ريو الدولي.
أما فيلم «أيتام ألدورادو» لغييرمو كويلو، فيستند إلى رواية بالعنوان نفسه للكاتب البرازيلي من أصل لبناني «ميلتون حاطوم». الفيلم يروي سيرة «أوديبية»، لرجل يدعى أرمينتو يعود إلى منزل العائلة حاملاً في قلبه علاقته المعقدة مع والده، ومع الأم التي جمعته بها علاقة جنسية قبلاً. في رحلة العودة إلى الجذور هذه، يحاول أرمينتو أن يأخذ مكان والده الذي يتوفى، إلا أنه يفشل في اعادة علاقته بوالدته إلى الحياة، كذلك في إدارة عمل العائلة، فيرحل نحو حبه الوهمي لإمرأة تزوره في الأحلام وتسكن في مدينة سحرية. يقوده هذا الحب إلى رحلة في قلب غابات الأمازون، باحثاً عن مدينة تغمرها المياه. نال الفيلم نقداً متناقضاً بين التقدير لجودته الفنية في تصوير المشاعر وعرضها من ناحية، ولضعف السرد الحكائي من ناحية أخرى.
الهوية والعائلة
في فيلم «Casa Grande» (البيت الكبير ـ 2014) هو الفيلم الطويل الأول للمخرج فيليبي باربوسا، حاز «جائزة الجمهور» في «مهرجان ريو دي جانيرو الدولي» في العام 2014. يرافق الفيلم شاباً مراهقاً ابن لعائلة ميسورة الحال، لطالما كان مدللاً ومحمياً، إلا أنه يبدأ باكتشاف العالم الحقيقي من حوله عندما يعلن والده أن العائلة تمر بضائقة مالية. الفيلم من نوع أفلام النضوج، أو الانتقال من طور الطفولة إلى طور الرجولة، التي يكتشف من خلالها البطل العلاقات بين الأسرة في زيفها وحقيقتها، كما يكتشف المدينة التي يعيش فيها وتناقضاتها بين الغنى، الفقر والتنوع العرقي. هكذا يصير الافتقار وسيلة للتعرف إلى الحقيقة والتعلم عن الحياة.
«لا تسميني ابنك» (2016) للمخرجة آنا موالارت التي عرفناها في فيلم «الأم الثانية» (2015)، هو الفيلم الأهم ضمن المجموعة المعروضة. في هذا الفيلم كما في فيلمها السابق تستمر الكاتبة والمخرجة، في التساؤل حول الهوية والعلاقات العائلية، عبر قصة شاب مراهق منفتح على الحياة. يقود دراجته عبر المدينة، يدخن، يشرب الكحول، يلعب الموسيقى ويقبل فتاة، إنها الحياة الطبيعية لأي فتى مراهق يحاول أن يكثّف التجارب كي يتعرّف عبرها إلى ما يريده من الحياة. إلى أن يجري فحصاً للحمض النووي، ليعرف أن المرأة التي اتخذته ابناً طوال سنوات كانت قد سرقته من أهله البيولوجيين. الآن ستدخل الأم إلى السجن، وينتقل هو إلى منزل عائلته البيولوجية، باسم جديد وكنية جديدة، ليبدأ رحلة وصراع البحث عن الهوية.
بالإضافة إلى الأفلام الطويلة الأربعة، يعرض المهرجان فيلمين قصيرين، يعبّران بشكل ما عن علاقة بين لبنان والبرازيل. الأول هو «أبيلو» للمخرج بشارة مزنّر، وهو قصة شاب لبناني يزور البرازيل لأول مرة، ويتعرض فيها لحادثة تغيّر حياته. أما الثاني هو الفيلم الوثائقي القصير «لبنان يربح كأس العالم» لأنطوني لابيه وطوني خوري، الذي يؤرخ سيرة مقاتلين من جهتين مختلفتين من المدينة يلتقيان في حبهما لكرة القدم وللفريق البرازيلي.
مهرجان السينما البرازيلية، هو محطة إضافية في الحياة السينمائية لمدينة بيروت، لا شك أنه يشكل إضافة وبعداً جديداً لمساحة المعرفة الفيلمية، على أمل أن يستمر لسنوات قادمة.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى