المغربي بوشعيب خلدون يمزج «الغرافيك» بالأناقة

الطاهر الطويل

أعرب الفنان التشكيلي المغربي بوشعيب خلدون عن اعتزازه بنيله جائزة «ملتقى لندن الدولي للفن التشكيلي» لأفضل عمل وفنان تشكيلي عربي في العالم، ضمن صنف المدرسة التجريدية، بعد عملية التصويت التي أجرتها لجنة تحكيم ضمّت عددا من الأسماء الفنية العالمية كاليزابيث بوند وحياة السعيدي وآنيا بومونت وآنا أدامسون وخبراء ونقاد فنيين آخرين.
وفي تصريح لـ «القدس العربي»، أوضح صاحب لوحة «محمد» أن الفوز بالنسبة له اعتراف عالمي بمسيرته الفنية، وهذا الاعتراف والتتويج يشاركه مع كل محب للفن وعاشق للجمال والإبداع. واعتبر تلك النتيجة تكليفا قبل كل شيء، كما تشكل إضافة معنوية ومهمة في رصيد الفنان، خصوصا أن هذه الجائزة عالمية أتت من لندن، والنقاد الذين أشرفوا عليها ذوو صيت عالمي. وتابع قائلا: رغم الشعور بالغبطة والسعادة، فهذه الجائزة تحفزني على بذل مجهود أكثر ومواصلة البحث وتعميقه، لأن الإنسان أو المبدع تحديدا لا يعتبر الإنجاز الذي حققه نهاية مطافه، بل نقطة انطلاقة جديدة. ودائما أستحضر الآية الكريمة التي هي مذهبي «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا».
وسعى «ملتقى لندن الدولي للفن التشكيلي» إلى إبراز الكفاءات العربية عالميا ومواصلة مسارها الإبداعي وفتح آفاق ومحطات أخرى في مسيرتها، حيث شارك في المسابقة التي دامت عدة شهور العديد من الفنانين التشكيليين المحترفين العرب من عدة بلدان ومن مختلف القارات. وقد أقيم الحفل الختامي للملتقى قبل بضعة أيام في منطقة «الماي فير» الشهيرة في مركز العاصمة اللندنية برعاية المكتب الثقافي للسفارة المصرية وشركتين بريطانيتين وبتنظيم من قبل المجموعة العربية The Arabs Group التي تعدّ أهم مؤسسة منظمة للجوائز الإبداعية للعرب حول العالم. وحضر الحفل ممثلون دبلوماسيون عرب وأجانب وبعض مشاهير العالم من أمثال عازفة الساكسافون سارة شاندلر والمدربة البريطانية جيليان هاسلم ورئيسة منظمة فنانات العالم التشكيلية حياة السعيدي ومصممة الأزياء إيمي إليزابيث بروكس.
استأثرت تجربة الفنان بوشعيب خلدون باهتمام العديد من النقاد والباحثين الجماليين، وبهذا الخصوص يقول الفنان التشكيلي والإعلامي عبد العزيز التميمي عن بوشعيب خلدون إنه من أبرز فناني المغرب العربي الذين يجسدون التواصل بين أفراد الأمة العربية. وأضاف قائلا عن الفائز بجائزة ملتقى لندن للفن التشكيلي إنه ليس منظما للمهرجانات أو منسقا لها فقط، إنما هو فنان مبدع مزج الغرافيك بالذوق والأناقة، مستخدما الحرف العربي والمفردة العربية مادته الأساسية في إخراج عمله الفني من العدم إلى الوجود، فتتحول أعماله إلى كتلة ناطقة بتناسقها ونسيجها اللوني، فتتحدث عن نفسها بتلك العبارات الرشيقة المتوزعة على مساحات متآلفة وتقول: هنا المغرب! فهو عندما يرسم وينتج لا يخرج من ذاته المغربية إلا إذا دعت الضرورة الفنية لذلك، فمكوثه المستمر ضمن الهوية الوطنية في أغلب أعماله ما هو إلا حبل للتواصل مع الآخرين أينما كانوا.
ويقول الأكاديمي والفنان التشكيلي العراقي تحرير علي إن الفنان بوشعيب خلدون واحد من العلامات المهمة في الواقع التشكيلي العربي المعاصر، وهو يمثل بزوغا للفن الملتزم عبر ثوابت الجمال ولغة المعاصرة، معاصرة على مستوى الإبداع لا الاستنساخ؛ معاصرة تنهل من الماضي لتجعله جمالا للحاضر، مزاوجًا بين التراث والمعاصرة، وفق خصيصة جمالية عالية المستوى. ويتابع: بوشعيب يعمد في منجزه الجمالي إلى كتابة الجمال أو المشهد الجمالي وفق لغة مرئية قوامها الخط والشكل واللون، وأيضا على ظل ونور وفضاء وبنية مضمونية دالة. المنظومة التشكيلية لديه على سطحه الجمالي، تعمل كحاضنة لشخوصه ومفرداته الجمالية وحروفه الموظفة على ذلك السطح التي تتفاعل دوما في إطار الحدث الموصوف بتلك اللغة. وهو من الفنانين الذين مرت تجربتهم الفنية بمحطات والكثير من المراحل الأسلوبية في رحلة بحثه عن الجمال كما بحث البطل الأسطوري كلكامش عن الخلود في رحلته الأسطورية الشهيرة. إنه يبحث عن سر الحروف وسر توظيف جماليات الحروف واللغة وما تكتنزه من معان واكتشاف مكامن الجمال الفني والإثراء البصري في تلك المفردات النابضة بالرموز والدلالات العميقة، وصولا إلى منفذ ينقل الفنان من واقعه الحسي إلى فضاء تخييلي لا يخلو من حقائق وجودية تنبعث من تراث فني أصيل وفق بناء جمالي معاصر.
والدخول إلى منجز بو شعيب يضعنا أمام مسارات ملونة عديدة، حيث نشعر بما يفعله ذلك الفنان ومحاولاته الجاهدة لتحويل الواقع إلى جمال بطرق متنوعة. وهكذا، فالمنجز الجمالي عنده نتيجة لا وساطة. إنه يوظف خبراته التقنية في اتجاه ما تقترحه محمولاته من آليات اشتغال وحركة فوق سطحه البصري لإثراء عالمه المتخيل بحقائق تتكون بفعل تقنيات الإظهار والتشكيل، لاسيما في منجزه ذي البصمة الحروفية الواضحة التي طالما راهن عليها بوشعيب في كشف نبوءاته البصرية المنتجة للمعنى أو للمعاني، لأن الحفر في منطقة بوشعيب هو بمثابة حفر في منطقة الجمال ذاتها التي طالما يصطدم المشاهد بها، سواء كان مشاهدا عاديا أم متلقيا فنيا، وصولا إلى تحقيق حالة الاندهاش لذلك المتلقي، لاستيعاب كمّ من الجمال المنعكس من ذات الفنان إلى ذات المتلقي بصيغة جمالية سلسة وواضحة.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى