إطلاق كتاب «جبرا إبراهيم جبرا .. جدلية الذات والمحيط»

يوسف الشايب

كشف الروائي يحيى يخلف، أن الأديب والفنان والناقد والمترجم الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا، وبعد أن هبط الدينار العراقي هبوطاً كبيراً مقابل الدولار الأميركي، وبات راتبه التقاعدي (ألفا دينار) لا يساوي أكثر من أربعين دولاراً، اضطر إلى بيع سيارته “مشقفة” ليعتاش، حيث باع “الماتور” أولاً، ثم “الأبواب”، فالمقود، وهكذا، وحين سألناه ذات مرة خلال زيارتنا إياه بمنزله في بغداد عن تكاليف مأدبة الغداء قال إنه باع “عجلات السيارة”. وجاءت حكاية يخلف هذه عن جبرا، خلال احتفالية، احتضنها متحف محمود درويش، أول من أمس، لمناسبة الذكرى السادسة والتسعين لمولد جبرا إبراهيم جبرا، عبر إطلاق كتاب “جبرا إبراهيم جبرا جدلية الذات والمحيط” لروز شوملي مصلح، وقدم له وناقشه وزير الثقافة د. إيهاب بسيسو. والكتاب، الذي هو الإصدار الثالث لمشروع الكتاب الشعبي بدعم من مؤسسة فلسطين الغد، مقسمة إياه إلى عدة فصول في تسعين صفحة، منها: جبرا وفلسطين، جبرا والقصة القصيرة، جبرا والشعر الحديث، جبرا الروائي، جبرا والحركة التشكيلية الحديثة، جبرا والفنون الأخرى، جبرا مترجماً، جبرا والسيرة الذاتية، والتي اتخذت جميعها شكل التمهيد. أما الفصل الأول في الكتاب فركز على سيرة جبرا إبراهيم جبرا تحت اسم “البئر الأولى”، والتي وصفتها روز شوملي مصلح بأنها “جزء من سيرة مدينة بيت لحم أيضاً في عشرينيات القرن العشرين”، حيث “نرى في البئر الأولى الحياة الاجتماعية والاقتصادية في بيت لحم، ودور الكنائس، والعلاقة بين الناس، ونتعرف على العائلات الأساسية في المدينة، والطابع المعماري لها، كما نتعرف على النظام التعليمي الذي كان سائداً في فلسطين بذلك الوقت، وعلى العادات والتقاليد .. ونرى طبيعة بيت لحم من بيوتها، وأهمية البئر لكل بيت، ونتعرف على بنيانها، وكنائسها، ومدارسها، ودياناتها، وصخورها، والتنوع في نباتاتها، وما يميز فصولها، فلكل فصل وهجه، وأغانيه، والناس ينتظرون الحصاد وقطف الزيتون، ونعرف كيف يحتفي الناس بالمواسم المختلفة، حيث تعلو الميجانا والعتابا، ونتعرف على علاقات الناس ببعضهم البعض عبر الفصول المختلفة”. بدوره شدد بسيسو على الاهتمام الخاص الذي توليه وزارة الثقافة بالرواد في مختلف المجالات، ومن بينهم الأدباء الشعراء والروائيون، وهو ما انعكس في المطبوعات الصادرة عن الوزارة، أو عبر إحياء العديد من الفعاليات التي تزامنت مع ذكرى ميلاد العديد منهم سواء في معرض فلسطين الدولي العاشر للكتاب، أو خارجه. وكشف بسيسو، خلال الأمسية، أن وزارة الثقافة وضعت ضمن برنامج احتفالية “بيت لحم عاصمة للثقافة العربية العام 2020″، احتفالاً خاصاً بمئوية جبرا إبراهيم جبرا، والذي ولد في الثامن والعشرين من آب العام 1920، وشكل “رمزاً من رموز الثقافة العربية والإنسانية، وهو ابن بيت لحم، وتعلم في بريطانيا، قبل أن يعود إلى القدس معلماً في الكلية الرشيدية، فإلى بغداد مطلع العام 1948، ليشكل بانفتاحه على المثقفين والمبدعين العراقيين والعرب وقبلهم البريطانيين والفرنسيين وغيرهم علامة فارقة في الثقافة العربية بل والكونية”. وبدأ بسيسو تقديمه للكتاب بنبذة تعريفية بالفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا، وأبرز ملامح سيرته الحياتية، مسلطاً الضوء على بعض مؤلفاته التي تجاوزت الستين مؤلفاً، مشيرا إلى أن جبرا “نسيج متعدد الأوجه، تنوع إنتاجه ما بين الرواية، والشعر، والنقد بالعربية والإنكليزية، إضافة إلى الترجمة، والفن التشكيلي، والموسيقى”. وقال بسيسو: في نيسان من العام 2010، هز انفجار انتحاري حي المنصور في بغداد، كان يستهدف السفارة المصرية، آنذاك .. سقط عدد من القتلى، وأدى الانفجار إلى تهدم واجهة مبنى السفارة، وتدمير بيت كان في ستينيات القرن الماضي يعد واحداً من ركائز الثقافة في بغداد، وكان يضم العديد من الكتب والمخطوطات واللوحات، وشاهداً على الكثير من اللقاءات الأدبية والإبداعية .. في نيسان 2010 دمّر منزل جبرا إبراهيم جبرا جراء هذا الانفجار الانتحاري، ومع تدميره فقدت الساحة الثقافية العربية إحدى أهم العلامات في سياق تكوين الهوية الثقافية في القرن العشرين، وفي سياق التجديد في الثقافة العربية، والفن التشكيلي، وفي مسيرة الحداثة الشعرية والأدبية العربية .. كان من المفترض أن يكون منزل جبرا إبراهيم جبرا في بغداد متحفاً للأدب والفن والذاكرة، ولكن بتدميره تحول بكل مقتنياته الإبداعية إلى ركام. ومن بين حكايات الفصل الأول في الكتاب، الذي تحدث عنه نبيل عمرو كثالث إنجازات مشروع الكتاب الشعبي، ويشغل منصب نائب رئيس المشروع، تلك التي يرفض فيها والد جبرا قرار ولده بترك مدرسته ليساعده في تكاليف المعيشة للأسرة، فيخاطبه الأب غاضباً “ما دام فيّ عرق ينبض، وما دام في صدري نفس، لن أسمح لك بأن تترك المدرسة”. وتمحور الفصل الثاني للكتاب حول سيرة جبرا “شارع الأميرات”، والتي أشارت مصلح إلى أنها عبارة عن “تصوير للواقع الثقافي الذي عاشه جبرا، أكان في انكلترا أو في بغداد أو في بوسطن بالولايات المتحدة الأميركية .. وهي تسجيل للأحداث المهمة في الأماكن المذكورة. وكان الفصل الثالث بعنوان “جبرا والفن التشكيلي”، في حين الرابع خصص لـ”جبرا والموسيقى”، والخامس والأخير لـ”جبرا والشعر”، وهو الكتاب الذي أشار الكاتب والناقد عزيز العصا إلى أن مؤلفته نجحت وبلغتها السلسة في التأكيد على فلسطينية جبرا إبراهيم جبرا مزيحة الغباش حول أصول هذا المبدع الفذ، وكذلك في تبيان اهتمامه بالقضية الفلسطينية داحضة العديد من الروايات التي تتهمه بإهمالها. ونختم بحكاية أخرى سردها يخلف حول جبرا، وهي أنه وبعد أن خصص الرئيس الشهيد ياسر عرفات راتباً يوفر لجبرا حياة كريمة، اختاره ليكون عضو مجلس وطني، ثم قرر أن يكون رئيساً للمجلس الوطني، لكن جبرا رفض ذلك معللاً ليخلف ورفاقه أنه تجاوز الستين، وأنه لا بد من إتاحة المجال لجيل الشباب، ليتفاجأ بعد الرفض أنه تم تعيين ثمانيني رئيساً للمجلس الوطني الفلسطيني، فشعر حينها أنه شاب قياساً بمن وقع عليه الاختيار !

(الايام الفلسطينية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى