لطفي لبيب: أكتب أحلامي كي لا أنساها

وئام يوسف

حالةٌ من الرضا التام، يعيشها الفنان لطفي لبيب الآن، مُدمَجة بالكثير من الشغف لأداء شخوص لم يقدمها بعد. ثمرة طبيعية لممثلٍ خطّ عبر أكثر من ثلاثة عقود، نهجاً قوامه خفة الظل وطاقة فتيّة لم تنضب حتى اللحظة، إذ لطالما كان شعاره «الفنان الحق هو الذي يذهب إلى الشخصية، ولا يأتي بها إليه فيقع في فخ الرتابة والتكرار». لا يزال في جعبة ابن الـ68 عاما الكثير:
«أنا راضٍ تماما عن رحلتي وما زال عندي الكثير؛ أكتب أحلامي كي لا أنساها، أود تقـــديم المزيد من الشخصيات وكتابة سيناريوهات لحكايا تستحق أن تُروى».
يقدم لطفي لبيب حالياً على «خشبة المسرح القومي» (القاهرة) عرض «ألف ليلة وليلة»: كلمات بيرم التونسي وألحان أحمد صدقي، إلى جانب محسن حلمي مخرجاً. وكان أنهى تصوير فيلم «صابر غوغل» تأليف محمد سمير مبروك وإخراج محمد حمدي، وسيعرض خلال عيد الأضحى المقبل. في حين يبدأ لاحقا تصوير مسلسل «الأب الروحي» تأليف هاني سرحان وإخراج بيتر ميمي، وفيلم «يوم من الأيام» إخراج محمد مصطفى وإنتاج حسين القلا. كما يشارك في فيلم «أخلاق العبيد»، تأليف عصام الشماع وإخراج أيمن مكرم.
يعمل لطفي لبيب أيضا على إنجاز سيناريو مسلسل، وقد بلغ حلقته الـ20. يحكي العمل قصة «ليليان تراشل» سيدة أميركية من مدينة جاكسون فيلا بولاية فلوريدا، قدمت مصر عام 1910 وماتت عام 1961، وقد مشى في جنازتها حوالى 10 آلاف مصري، لإنجازاتها الإنسانية والخيرية: «قدمت لتعمل مُدرِّسة في المدرسة الأميركية في أسيوط إلا أن الصدف والمتغيرات تدفعها للاستقالة كي تتفرغ لرعاية اليتامى والمحرومين». ويضيف لبيب أن حكايتها جديرة بأن تروى لأننا «في زمنٍ ملحّ لذوبان الثقافات مع بعضها، فلا ينبغي أن يكون هناك صراع حضارات، بل علينا الاستعاضة عنه بحوار الحضارات».
الصراعات الراهنة
أكثر ما يشغل بال لبيب الصراعات العربية والإقليمية والدولية، فهو مهموم بالشأن المصري والعربي، معللا هذا العنف الكارثي بأنه مخطط معدّ منذ عقود مضت: «لو عدنا بالتاريخ سنجد أن وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر اجتمع مع الرئيس اليوغوسلافي الأسبق جوزيف بروز تيتو في «جزيرة بريوني» في يوغوسلافيا السابقة سنة 1974، وقال له حرفيا: «لا بديل من بلقنة الشرق الأوسط» أي أن تُقّسم بشكل عرقي طائفي كما بلاد البلقان، فيبدو أننا في بداية البلقنة وما يحدث وما سيحدث من تقسيمات هو داخل إطار هذا الأمر، حتى تذوب إسرائيل وسط البلقنة».
يؤكد لطفي لبيب أن هذا الدم سيتوقف في لحظة ما، لكن على الفن أن يأخذ دوره كاملا: «نحن نعيش حربا عالمية ثالثة بدأت في 11 أيلول/سبتمبر 2001، ولم تتوقف حتى اللحظة، حرب تجري وفق تكنيك جديد، تتخللها معارك عسكرية وسياسية واقتصادية، لكن هذا الدم سينتهي لا محالة»؛ مضيفا أن المناطق التي لم يدخلها الفن هي بيئة حاضنة للإرهاب «أعتقد أن الفن يقلّم أظافر الوحش داخل الإنسان، وإذا كان الفن الآن مقصراً لأسباب عديدة جداً، إلا أنني أرى أن على الفن أن يدخل كل نجع وكل قرية لأن دخولَ فنٍّ أيَّ منطقة هو مؤشر على أن الإرهاب ممنوع عليه دخولها».
انشغال لطفي لبيب بالهم العربي ليس غريبا عنه، فهو المحارب الذي أمضى 7 سنوات من شبابه في القوات المسلحة، شارك خلالها في حرب اكتوبر 1973. تجربة عطفت حياة لبيب وأثرتها إنسانيا كما يقول، لدرجة أنه وثّقها في سيناريو فيلم كتبهُ حمل عنوان «كتيبة 26» وهو اسم الكتيبة التي التحق بها. الفيلم لم يجد طريقه إلى التنفيذ ما دفع لبيب إلى إصداره على شكل كتاب بالعنوان نفسه، لكن البديل كان «المقاتل لطفي» فيلم وثائقي نفذه المخرج محمد عمر حول مشاركة لطفي لبيب في «حرب اكتوبر»، يستعرض الفيلم لقطات حيّة من الحرب بالإضافة إلى شهادات من مشاركين فيها، أكثرهم ظهورا لطفي لبيب الذي يعبر خلال الفيلم عن فخره بهذه التجربة «حرب اكتوبر تذكرني بحقيقة نفسي، ولن تخرج من وجداني، لطالما أسست لحياتي اللاحقة وجعلتني أكثر خبرة وانضباطا والتزاما بقضايا بلدي».
كان السفر أيضا خطوة أخرى ساهمت في تأخر لطفي لبيب في الظهور على الشاشة، فبرغم تخرجه من «المعهد العالي للفنون المسرحية» عام 1970 إلا أن بدايته المهنية كانت منذ عام 1981، على خشبة المسرح، فقدم عروضا يعتبرها علامات في رحلته الفنية. «مسرحية الرهائن» هي الظهور الأول للطفي لبيب رافقته فيها رغدة في ظهور أول لها أيضا، العرض تأليف عبد العزيز حمودة، وقد حظي بمشاهدة عالية خاصة بعد إيقافه من قبل الرقابة في أول يوم لعرضه، ليستأنف تقديمه بعد حين، تبعه مسرحية «عريس بنت السلطان» تأليف محفوظ عبد الرحمن وإخراج محسن حلمي، ثم مسرحية «الملك هو الملك» تأليف سعد الله ونوس وإخراج مراد منير.
تفاصيل روح
غير أن العقدين الأخيرين قد حملا حضورا بيّناً للطفي لبيب على شاشتي السينما والتلفزيون عبر أعمال عديدة، كان له فيها بصمة خاصة، عززها خفة ظله وأداؤه المتقَن في الشخوص التي قدمها. من المسلسلات التي شارك فيها «الأصدقاء» إخراج اسماعيل عبد الحافظ 2002، «الملك فاروق» إخراج حاتم علي 2007، «عمارة يعقوبيان» إخراج أحمد صقر2007، «الخواجة عبد القادر» إخراج شادي الفخراني 2012 وغيرها، ومن مشاركاته السينمائية فيلم «ليلة سقوط بغداد» إخراج محمد أمين 2005، «السفارة في العمارة» إخراج عمرو عرفة 2005، «طباخ الريس» إخراج سعيد حامد 2008، «عسل إسود» إخراج خالد مرعي 2010 وغيرها.
الصحافة كانت مقاما آخر للطفي لبيب في وقت كانت مصر فيه بحاجة لأصوات أبنائها حسب قوله، فكتب على مدار ما يزيد عن سنة ونصف السنة مقالة يوميا في جريدة «الوطن» المصرية، تزامنا مع مرحلة حرجة عاشتها البلاد عقب ثورة يناير 2011، لكنه اضطر للتوقف بعد حين، لانشغاله بالتمثيل ولأن الفن فضاؤه وعالمه الذي يجد ذاته فيه. ربما خسرت الصحافة مداده الثرّ، لكن من دون شك قد ربحه عالم الفن الذي اعتلى نجْدَهُ بخبرةٍ وموهبة وإبداع لا يشبه إلا لطفي لبيب.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى