فن فلسطيني معاصر «يزور» فرنسا

أسعد عرابي

تستقبل باريس بعدد من مؤسساتها الثقافية، وعلى رأسها معهد العالم العربي واليونسكو ودار ثقافات العالم، عشرة نماذج معروفة من الفن التشكيلي الفلسطيني لما بعد الحداثة. وكذلك تشهد مناطق أخرى في فرنسا مثل رون آلب، إضافة إلى دولتي لوكسمبورغ وبلجيكا بعدها، تظاهرة متعدّدة العروض والمواقع في محاولة لكسر الحصار عن الفن الفلسطيني بعد سبات عقدين من الاختفاء وصعوبة الظروف لدرجة استحالة الممارسة الفنية. يقع خلف هذه المبادرة المركز الثقافي الفرنسي– الفلسطيني في القدس الشرقية (وفعالية مديره) مع فروعه في نابلس ورام الله ومؤخراً منذ أشهر في غزة (افتتح حديثاً).
انطلق هذا المهرجان الموسوعي مع أشهر الصيف، ابتدأ عبوره من تموز (يوليو) في باريس في معهد العالم العربي.
ومع تحالف عدد من صالات العرض المحلية الفلسطينية المختصة بالفن المعاصر الفلسطيني، مثل غاليري وان وغاليري الهواش وغاليري المعجل وغيرها، على ندرتها، بخاصة في حيفا. ورغم ندرة المواد الفنية، افتتحت أخيراً في أشد الحواضر ديناميكية فنية وهي رام الله مكتبة لبيع المواد الفنية بأسعار فلكية، ناهيك عن استحالة الحصول على محترَف. ولا حتى على سكن للعائلة! غير أن تأسيس «الأكاديمية العالمية للفنون» في رام الله خفف من مشاكل بعض المحترفين الذين يمارسون فيها الإنتاج. كما وأنه بسبب صعوبة جني لقمة العيش اليومية فقد انصرف الناس عن الفن، بخاصة فن اللوحة والمنحوتة والمحفورة، لأنها بحاجة إلى الحد الأدنى من الاستقرار، لكن عدم اكتراثهم أقل حدة تجاه الفنون التعبيرية، ومنها التي تحيي التراث الوطني الفلسطيني، مثل الموسيقى والرقص والمسرح والسينما، هو ما يفسّر دعوة أربعين فناناً، عشرة منهم فقط من الفنانين التشكيليين، وهم معروفون في نيويورك وباريس ودبي أكثر من بلدهم ربما. ومع تأسيس متحف للفن الفلسطيني في رام الله وهو يشارك في التظاهرة. الواقع أن المهرجان يتجاوز حدود المعرض المشترك المتنقل بوجود كاتالوج واحد للفنانين العشرة ساعد على انتشار صوتهم التشكيلي. تبرعت بطباعته مدينة بيزانسون. وإنما هي تظاهرة تعددية، متزامنة الأجندات، متداخلة أوقات العروض، ناهيك عن أن أغلب الفنانين لم يسمح لهم بالسفر وحضور حفلات افتتاح معارضهم الشخصية. مثل هذه الإقامة التشكيلية الجبرية تفسر عنوان المهرجان: «الفن الفلسطيني والخارج»، ثم أن الغلو في مواد ما بعد الحداثة التي توسم بالعابرة، مثل البيرفورمانس، وهو الطقس الذي يجري لمرة واحدة بحضور الجمهور وفي مكان محدد، لا يمكن نقله وتسفيره إلى مواقع العرض الجديدة إلا من طريق الفيديو أو الفوتو العملاق.
لعل أبلغ الأمثلة العمل الفني الذي أنجزه محمد أبو صال (مواليد 1976 في غزة)، وهو يعيش في مخيم بريج، ويتخيل فيه إشارات المترو على مدخل إحدى فوهات الأنفاق الحربية التي هدمتها إسرائيل بعد تدمير البنية التحتية، وهكذا أصبح المترو طوباوياً ورمزاً لبلد لا تصله الكهرباء إلا نادراً. لعله من الجدير ذكره أنه أول فنان فلسطيني على الأرجح، يتجرأ على إنجاز بيرفورمانس إنشائي في وسط الشارع، وهنا ندرك المواصفات النقدية الثنائية: فن الشارع– الفن العابر (الموقت أو الزائل)، بعكس مفهوم الخلود التقليدي، كما مع الفنان الغزاوي النظير محمد الهواجري، فعمله الفني عبارة عن فرد سجادة حمراء على الشاطئ ليغطي هشيم غارة إسرائيلية. اتخذ له محترفاً بجانب المعهد الفرنسي الفلسطيني الجديد في غزة. يقيم في غزة منذ 2007، وعُرِف منذ عام 2012 تاريخ معرضه الذي جمع فيه تأويلات جديدة للوحات تراجيدية: جورنيكا بيكاسو، ثلاثية جويا، الصرخة لِمونخ…
سليمان منصور من أبرز العارضين وأكبرهم سناً (مواليد 1947 في بير زيت)، استقر خمسين عاماً في القدس، ثم اضطر بسبب ظروفه المعيشية الصعبة لأن ينتقل إلى رام الله.
اكتشف منذ عام 1970 أسلوباً تعبيرياً حاداً ينحت من خلاله الهيكل البشري من الطين نصف المشوي، فتكفي الرطوبة لتشقق المادة داخل بثور الفخار، ما يذكر بتصحر الأرض من الشمس والجفاف. وهكذا أصبح رمزاً أصيلاً للفن الفلسطيني بعد اتفاقية أوسلو بخاصة، وأن تجربته هذه تقع بين انتفاضتين. لكن أعماله التي شارك بها مختلفة.
أما تلميذه بشار خلف (الذي يتقاسم مرسمه مع فنان آخر) فنعثر له في المحترف على لوحة عملاقة تحتل موقعها المركزي دوماً، تمثل أستاذه منصور في حالة تفخّر مستلهَمة عن وثيقة فوتوغرافية ولكنها بالغة التأثير (منجزة عام 2000). يعتمد في تقنيّته شبه التجريدية على أصول فوتوغرافية، وهيّأ له عمله الدائم مع غاليري وان سهولة الأسفار بين المدن الفلسطينية والخارج، مثل ألمانيا والسويد.
يلي سليمان في الأهمية شريف واكد (من مواليد 1964) في نازاريت، في حيفا، عُرف بعروض الفيديو قبل أن يتحول إلى فن الوهم البصري بمواصفات لونية رهيفة مستلهمة من الحرفيات الفلسطينية (سجاد وبسط وزخارف…).
أما مجدل ناطل (مواليد العربية السعودية 1987)، فتعيش في غزة بجانب المعهد أيضاً مع زوجها الفنان في بيت قديم مع ابنتها، تعرض في الأردن ونيويورك وفرنسا وإيطاليا، وقد سحب منها الحق في السفر لحضور افتتاح معارضها.
منذر جوابرة عرف بسطوح الفريسك عن الانتفاضة في الجدران العامة، يعيش في كراج متواضع مع عائلته في بيت لحم، أما ماجد عبد الحميد فمولود في دمشق ومستقر في رام الله، يقع أسلوبه بين العبثية الساخرة والبوب آرت، عرض مفاتيح ملونة رمزية. أما عامر شمالي، فمولود في الكويت عام 1981، وله إعلان عريق بعنوان «زوروا فلسطين». أضاف إلى صورته الجدار العازل، وهكذا يدمج الوثيقة بالخيال (رام الله). وهناك أيضاً ميرنا بامية (مواليد 1983) تتنقل بين القدس وبيروت، تعمل مع غاليري الهواش في القدس. تبرع في تصاميم الفيديو والإنشاءات.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى