«كاتاكالي» أساطير هندية ملوّنة في الإسكندرية

سامر سليمان

تزدحم الرقصات الهندية غالباً برائحة الألوان الساخنة وجنون الصبغات المتوهجة بالتوابل الحارّة وقوة الإيقاعات الصاخبة والحركات المقننة المدروسة والأداءات التعبيرية الدينية والنصوص الدرامية المستمدة من الأساطير والمعتقدات القديمة. فسيفساء فنية راقصة فريدة استقطبت جمهوراً غفيراً إلى الحفلة التي قدمتها فرقة الرقص الهندية «كاتاكالي» بقيادة راجوموهان بادينهاري، برعاية المجلس الهندي للعلاقات الثقافية وبدعم من مركز مولانا آزاد الثقافي الهندي، واستضافها المسرح المكشوف في مكتبة الإسكندرية.
لا يتوقف الرقص في الهند عن كونه طقساً احتفالياً، إنما يتخطى ذلك ليصل إلى مدلول عقائدي. قائد الفرقة راجوموهان بادينهاري أوضح أن «الرقص له أهمية دينية واجتماعية في الهند، فتحقيق الأهداف الدينية من طريق استخدام الحواس هو الدافع الذي يكمن وراء كل الفنون الهندية». ولفت إلى أن «حركات الجسد وتمايلاته والتواءاته وسكناته وتدفقاته تحكمها تقاليد معقدة استقت جذورها من رقصات تمزج بين الحركة الفطرية وحركات الباليه المدروسة». وأضاف: «هذه الباقة المختلفة من أشكال الرقص وفنونه لم تتوقف على كونها أثراً تراثياً بل استمرت، بما يحتفظ به جوهرها من حيوية وحياة، وصاغت مزيداً من الأشكال الأكثر تعقيداً».
تحكي كل الرقصات الهندية قصة غالباً ما تكون أدبية كلاسيكية، إذ تصمّم الرقصات وتُرسَم الحركات لتقدم انفعالات الوعي وتنتج قيماً جمالية تعبيرية. يشتبك النص الإيقاعي في هذه العروض، حركياً وبصرياً وتاريخياً مع سينوغرافيا العرض المتمثلة في الأزياء المبهرجة والماكياج الصاخب المبالغ فيه والأقنعة الأسطورية الدينية. ويؤدي الرقص والموسيقى والماكياج دوراً مهماً في نقل القصص للجماهير. كما تعكس حركات الممثل المتزامنة وإيماءات رأسه، الحالة الدرامية لشخصية البطل الأسطوري التي يؤديها. ومن خلال الرقصات تُجسّد صفاته البطولية ومآثره التاريخية ونزعاته الأخلاقية. ويصاحب هذا الأداء العزف على آلتين من الآلات الإيقاعية وهما تشيندا ومادالام.
بدأ فنّ الكاتاكالي وفق قائد الفرقة، في ولاية كيرلا (جنوب غربي الهند)، وجاء من الأساطير الهندوسية، وحركاته مثل حركات اليوغا، وهو يجمع بين العديد من الأشكال الفنية، من الرقص والدراما والأدب والموسيقى والغناء وبعض صور الفن التشكيلي مثل الرسم والنحت.
تستمر حفلات الكاتاكالي عادة ليلة كاملة منذ غروب الشمس إلى شروقها. وتستمد العروض مصادرها مـن الأساطير والنصوص المقدّسة وأيضاً من تاريخ الملوك والنّفوذ. لكن فرقة «كاتاكالي أضافت إلى العروض التقليدية نصوصاً درامية عالمية من مسرحيات شكسبير مثل «عطيل»، «ماكبث»، «هاملت»، وفق راجوموهان بادينهاري الذي أعرب عن سعادته بالجمهور الإسكندري الذي تفاعل مع العرض بصوة رائعة.
قدمت الفرقة في الإسكندرية عروضاً إيقاعية بالدق على الطبول وعزفت مقطوعات موسيقية هندية. كما قدمت رقصات كلاسيكية منها رقصة بعنوان «بوتانا موكشام» وهي مستوحاة من الملحمة الهندية الشهيرة سريماد بهاجافاتا والتي تحكي عن الصغير كريشنا الذي ينحدر من أصول الآلهة والذي يحاول عمه التخلص منه من خلال امرأة شريرة (بوتانا) تتمتع بقوى شيطانية، وبينما تحاول المرأة أن تقتل الطفل، يصحو ضميرها فتلقى هي حتفها وينجو الطفل.
وكان اللافت في العرض الرقصات المعبرة الناعمة والقوية التي قدمها الممثل الذي قدم شخصية المرأة الشريرة التي تسعى إلى التطهر والتخلص من شرها، فتقتل نفسها في النهاية. كما قدمت الفرقة عرض «سانتاناجوبالام» المستوحى من ملحمة سريماد بهاجافاتا، ويحكي قصة شقاء أحد أبناء طبقة البراهمان. وتبدأ الرقصة بقرع على الصاجات المعروفة باسم مادالام، تتبعها مقطوعة موسيقية قصيرة بتلاوة ترتيل من خلف الستار حتى تبدأ القصة
على رغم إبداع الأداء الراقص وحرفية الموسيقى واتساقها مع الخط التصاعدي للأحداث، إلا أن الجمهور الإسكندري لاحظ عدم وجود اختلاف سينوغرافي بين شكل البطل الطيب والشخصية الشريرة من حيث الماكياج والإكسسوار والأقنعة.
قدمت الفرقة المكونة من تسعة أفراد عدداً من أنجح عروضها في أربع مدن مصرية هي الإسماعيلية، بورسعيد، القاهرة والإسكندرية. ويأتي ذلك في إطار مهرجان الصيف الدولي الرابع عشر الذي تنظمه مكتبة الإسكندرية.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى