الاستثمار غير الرحيم في الحب

فجر يعقوب

بدأت في الصالات السويدية قبل أيام، العروض التجارية لفيلم «أنا قبلك» للمخرجة البريطانية ثيا شاروك، وهو من تمثيل شارلز دانسي، جانيت مكتير، فانيسا كيربي، ماثيو لويس، وسام كلافلين، وايميليا كلارك في الدورين الرئيسين «ويل» و»لويزا». لايحيد الفيلم عن تلك الدرامات الرومانسية التي تُصنع من أجل أن تستجدي دموع المشاهدين في أحايين كثيرة عبر شباك التذاكر، وإن بدا هنا أن الأمر غير مفهوم تماماً بالنسبة لمؤلفة الرواية الأصلية جيجي موييز التي كتبت شيئاً على ما يبدو بخصوص المعوقين وقضايا «الموت الرحيم» المتعلقة بهم، ووصلت بكتابتها الى نتائج مختلفة عما كانت تبتغيه، وهذا أمر يجب جلاؤه في سياق هذه الكتابة عن هذا الفيلم.
ويل شاب رياضي مغامر، جسور كما سنكتشف، ويعمل في مجال الاستثمارات، أي أنه يملك عقلاً رياضياً محاوراً منفتحاً على متطلبات العالم الجديد. يتعرض ويل في الدقائق الأولى من الفيلم لحادثة مروعة تقعده على كرسي للمعوقين حتى نهاية الفيلم. من حسن حظ ويل أنه يحظى بعناية مثالية: فهناك الأب والأم الثريان اللذان يعيشان حياة مضطربة تسير نحو طلاق مبين. لكنهما فجأة ويقرران البقاء مع بعضهما بعضاً بسبب اعاقة ابنهما. وهناك الممرض الذي يقوم على خدمته ليلاً ونهاراً في قصر أثري قديم يعاد ترميم أجزاء منه. لكن إصرار ويل على وضع حد لحياته من طريق الاتصال بمركز للموت الرحيم في سويسرا يدفع الأم الى تعيين فتاة مرحة طردت للتو من عمل لها على رغم ضيق عالمها ومحدوديته التي تتجلى هنا في رسم خطواتها بين بيت العائلة التي تقف على نقيض عائلة ويل تماماً وبين مركز عملها، وتعيش كل يوم بيومه بسبب أوضاع اقتصادية صعبة تمر فيها، وهي تعتمد أساساً على مدخول لويزا.

وظيفة ما…
ستكون وظيفة لويزا في عملها الجديد إدخال البهجة على قلب الشاب ويل وإبعاد شبهة الموت الرحيم عنه من طريق الحكايا والغناء المفرح وكل ما يمكن أن تقدمه هنا هذه الفتاة البائسة. وكما في كل الحكايات التي تنسج على هذا المنوال ستقع لويزا بغرامه أولاً، وسيعاند هو هذه الفكرة باعتبار أن الإرتباط بمشلول مثله يعني سلبها حريتها. إلا أن الأعمال التي قد تبدو له متهورة ويقوم بها على طريق الموت الرحيم الذي يسعى اليه لا تقدم شيئاً جديداً للجمهور، حتى الألم الذي يفترض أن ينعكس من داخله يظل بارداً ولا يمكن التحكم به الى درجة الفشل الذريع في اقناعه بأن من يجلس على هذا الكرسي المتحرك يعاني وبأنه يقصد فعلاً أن يضع حداً لحياته.
قول المؤلفة موييز في مكان آخر إن المشاهد يرى مأساة ويل بعيني لويزا، فيه تجنٍ على الرواية والفيلم معاً، اذ لا تبدو سذاجة لويزا في تكيفها مع وضع عاطفي جديد – تترك خطيبها على خلفية علاقتها بويل – كافية أو مقنعة لتجسد مأساة الشاب المتهور الذي نعرف عنه أشياء كثيرة من خلال كومبيوتره الشخصي حين تفتش فيه لويزا.
لكن المخرجة شاروك لم تتمكن من أن تجسد ذلك عبر تكثيف هذه المأساة في عيني لويزا، وهذا يعني سقوطاً للفيلم وللتيمة التي أراد النهوض بها، فهو لم يقدم شيئاً جديداً على هذا الصعيد، وظلت تلك الحركات الطفولية التي يقوم بها ويل من على كرسيه غير كافية لتقديم شيء جديد في موضوعة تطرقت اليها السينما والمسرح والرواية والأوبرا بشيء من التجديد والسحر.

كان يمكن أن…
لم يأتِ الإطلاع على وضع لويزا العائلي حين يزورها ويل لتناول طعام العشاء وتقديمه أفكاراً ثورية لها في فن الاستثمار الذي يجيده، كمسألة بغاية الأهمية، بل جاء ربما للإفصاح أكثر عن هوية الشاب المرتبطة بعالم متقلب ويخضع لمزاج السوق المنفلت من عقاله، أكثر مما هو مرتبط بالمزاج العاطفي الذي يظهر هو الآخر متقلباً على رغم إصرار المخرجة ثيا شاروك على تقديم بعض اللقطات التي تظن أنها تقدم شيئاً جديداً قبل أن يمضي ويل في غيّه في اختبار «الموت السويسري الرحيم».
فيلم «أنا قبلك» دراما تلفزيونية معلبة، ليس فيها اختراق السينما اللماع لموضوعة كان يمكن قول أشياء كثيرة فيها. امتلاك ويل لعقل مراوغ لا يعني أنه يمكنه الحكم على قلب لويزا المضطرب في لحظة حاسمة تقع بين تفتحه وانشداده لعلاقة عاطفية غريبة، وبين تلك اللحظات الاستثمارية التي تنشأ من صدام غير متوقع في عالم يبدو أنه يضطرب أكثر فأكثر.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى