كتاب كريم شعلان .. سياج من الشجن يؤطر القبلات

قاسم ماضي

فتح شاعرنا العراقي كريم شعلان عينيه على بلده العراق، وهو يستهين بكل الصعاب التي تكتنف طريقه، ومن حوله تتواثب مشكلات وطنه التي لا تنتهي من جراء الصعاليك، والطغاة الذين حكموا البلاد والعباد.

“رأيتهم يبيعون السبايا، ويحرقون المكتبات، في الموصل، كان التلفاز، ينث رذاذا كأنه الدموع، أو علامات الظهور” ص 64.

منذ أن وطئت قدماه في أرضه التي ولد فيها، وعاش في ظل المعاناة والمصائب والويلات التي لازمتنا ولازمته لحد هذه اللحظة، وعند قراءتي لقصائده الخفيفة الظل، وهو يدخلك في عالمه السحري، فالشعر عنده مشكاة تنير النفوس والدروب وكأنها تلامس أرواحنا المعذبة، فانصرف بوجدانيته يعالج قضايانا بقلب يتدفق حباً وإخلاصاً، وكذلك لزيادة التأثير على أنفسنا الهائمة بولع الوطن.

“هاهي الشمسُ، تطعن ُالسماء، بلون ِالجرحِ، لون الحب ِ العراقي”.

وهذا الشاعر معبأ بالكثير من الآمال والأحلام الوردية التي خلص إليها نتيجة ذهابه إلى عالم التخيل، والجلوس إلى مكتبات العالم العاجة بالفلسفة والتصور، والذي يتفحص قصائد شاعرنا يجد فيها روح الإستمرار في البحث عن أجواء الحب الذي فقدناه من جراء الخراب الذي حصل إلينا.

فبالتالي يخلق “الشعلان” عوالم ذات أمزجة، وأصوات، وصوراً وهموماً متميزة تشعل ذواتنا المغتربة:

“قبلات منعها الرقيب، خفتُ عليها، وضعُتها بكيس عتيق، وصرتُ أخفيها، هارباً إلى المجهول، تضخم الكيس، ومازلت ُأجول ُبه، وأختبئ به أحياناً، أحلم ُ كثيراً، أحلمُ بمكان مناسب، أدلقُ به كيسي، على خدود الحياة” ص 48.

ولأن الشاعر الشعلان إستمد قصيدته من الأنا المثالية التي ساعدته على صياغة معانيه واستجابته لقصيدته، التي لا تنتهي لأنها نابعة من قراءة الآخر، وكذلك كما يقال ليس الشاعر هو من يمنح المعنى في قصيدة ما للقراء، بل القراء أنفسهم هم من يصوغون المعنى، اعتماداً على السياق والثقافة الإجتماعية لدى القراء.

“أتذكرُ الخطوط الأمامية، وخيوط العناكب، على حقائب الموتى، غالبا ما يكون، صوت ُ الموسيقى مشوشاً” ص14.

يقول عنه الناقد العراقي الكبير الدكتور حاتم الصكر: “كتاب كريم شعلان الشعري قبلات يوهم القارئ عبر عتبة العنوان برومانسية القبلة وشفافيتها الغزلية، لكن محتوى الكتاب يضج بقصائد نثر نازفة ألماً ومزدحمة بما هو تراجيدي تقدمه الحالة العراقية المزمنة الخراب بكرم غريب، لتلهب مواقد الشعر فتفور المخيلات وتترى التذكرات بتفاصيل غنية صنع من بعضها كريم شعلان كتابه الشعري هذا” ص 6.

“جلبوا لها وحيدها، ملفوفا بحلم وطن، قبلته ُمن جبينه، صرخت عندما اكتشفت، أنها تقبلُ الرصاصة” ص50.

والمعروف عن الرومانسية أنها كانت خاضعة للمفاهيميةبشكل معتدل تقريباً، ولكونها موضوعات مفاهيمية ولدت من المفهوم، ولهذا استند الشعلان على مجاله الوحيد هو عقله الذي نظم قصائده الرومانسية والتي جاءت إلى القارئ بشكل تناغمي جميل ومدروس، وكذلك معظم تعابيره وجدانية مكثفة فيها القبلات ولغة سلسة تسند الشجن، ويعتصره ألم البعد والفراق، ولو دققننا في كل مفردة من مفرداته اللغوية لوجدنا هذا الصوت العراقي الذي يعيش في كندا لا يتوقف ولا تكف جراحه عن هذا النزف المستمر منذ أن تمسك بخيوط الشعر.

“أتعبتني هذه الجعبة، أجول بها منذ ُقرون، وأفسدُ بها ترحالي، أضعها على ظهر بعيري، وأسير ُمحدودبا” ص 18.

تقول عنه القاصة والروائية المعروفة نيران العبيدي: كريم شعلان رجل متعدد المواهب، فهو شاعر وقاص وناقد وإعلامي، قدم كبار الكتاب بحرفية عالية على طاولة منتدياته الأدبية.

وتكمل: فيعتمد في هذا الأسلوب التجريبي على الجمل المكثفة، التي تعطينا خلفيات ما كنا لنتصورها لولا استعمالات الكاتب الحكائية العذبة والادبية، بجمل مرسلة بأسلوب شعري جميل.

“أخي في انفجار، في سوق شعبي، ثمة جمرة، تمزح ُ معي منذ ُزمن ٍبعيد، هذه الجمرة أكرهُ مزاحها، وافكر أن أنطفيء، لأتخلص َ منها” ص20.

ولهذا نقول في قصائد الشعلان وخاصة في مجموعته الشعرية “قبلات” والصادرة في الولايات المتحدة الأميركية، وهي من القطع المتوسط وتقع في 82 صفحة، انها تماس مع الناس وهو في مواجهة معلنة بالدفاع عن المعاناة الانسانية، انه باختصار نتاج ثر، ولغة مسكونة بالجمال.

“يخونك النصف الفارغ، يخونك المعنى، يخونك اليقين، يخونك الزوال” ص42.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى