هل تكون «مدارس الفن» بدائل من «المعهد العالي للفنون المسرحية»؟

رامي كوسا

يتقدّم، سنوياً، لامتحانِ القبول في قسم التمثيل، بـ «المعهد العالي للفنون المسرحية» عددٌ كبيرٌ من الطلّاب. الرقم قد يتجاوز، في بعضِ الأحيان، عتبة الألف مُتقدّم ومتقدّمة. يتوافد هؤلاء إلى دمشق من المحافظات كلّها للوقوف أمام لجنةٍ فاحصةٍ مكوّنةٍ من أعضاء ثابتين يُشكّلون عمادَ الكادر التدريسي في المعهد، وأعضاء شرفيين يتبدّلون بين دورةٍ وأخرى.
التجوّل داخل أروقة المعهد، في أحدِ أيّام الاختبار، يكفي لتحسّس قلق المتقدّمين الرّاغبين بالانتقالِ إلى ورشةِ عملٍ يُفترض أن تُختار منها نُخبة النخبة ليكونوا طلّابَ سنةٍ أولى، تليها ثلاثُ سنواتٍ دراسية، يخرج بعدها الطالب ممثلاً محترفاً جاهزاً للعمل في قطاعات الدراما والمسرح والسينما.
نسبةُ المقبولين في السنة الأولى، لا تتجاوز، في أحسنِ الأحوال، عتبة 2% من عمومِ المتقدّمين. انخفاضُ مُعدّل القبول ليس المشكلة الوحيدة بالنسبة للراغبين في دخول المعهد. همسٌ كثيرٌ يُسمع حولَ وزن الواسطة ودور المحسوبيّات في تحسين فرصِ نجاحِ هذا الطّالب أو ذاك. البعضُ يتحدّث عن فعل «توريثٍ» للكراسي الطالبية، بمعنى أنّ عدداً من الفنّانين يستعملون علاقاتهم الشخصية لمنحِ أولادهم مقاعدَ مضمونةً في نصابِ السنة الأولى. البحثُ في قوائم الطلّاب والرجوع إلى الأسماء الثلاثية لكلّ منهم يعزّر هذا الافتراض.
استناداً إلى ما سبق، نستطيع أن نفسّر التفاوت المهول في مستويات حملةِ شهادات المعهد، فالمؤسّسة الّتي خرّجت، وما زالت تخرّج، ممثّلين على درجةٍ عاليةٍ من الموهبة، هي ذاتها الّتي تُخرّج طلّاباً من شأنهم أن يُسيئوا لقيمة المعهد بسبب مستواهم المتدنّي على الصعيدين الإبداعيّ والمعرفيّ.
ما ينطبق على قسمِ التمثيل في المعهد، ينطبق على الأقسامِ الأخرى، وتنسحبُ المشكلات نفسها على المعهد العالي للموسيقى بأقسامه المُختلفة.
بدائل تعليمية
الدرك الخفيضُ الّذي وصلت إليه هاتان المؤسّستان، شجّع على إنشاء بدائل تعليمية، وضمن هذا السّياق يأتي مشروع «مدرسة الفنّ المسرحيّ» لصاحبه سمير عثمان الباش الّذي أعادَ إحياءَ تجربةٍ وُلدت قبل الحرب، وتنقّلت لوجستياً بينَ أماكن ومواقع مختلفةٍ ضمن العاصمة، لينتهي بها الأمر في مدينة جرمانا التابعة لريف دمشق.
اعتمدَ الباش منهاجاً يقتربُ، من حيثُ الموادِ المُدرّسةِ وتوزيعها على «الكورسات» الفصلية، من المنهاجِ المعتمد في قسم التمثيل التابع للمعهد العالي للفنون المسرحية، وضمنَ سياقٍ موازٍ يُشرف الممثل السوري أحمد الأحمد على معهد «فيوتشر ستارز» الّذي يلقّن علوم الموسيقى والرقص إضافةً إلى التمثيل والرسم وغيرها من الفنون.
ولدى حديثنا عن مشاريع وليدةٍ من الطراز نفسه، يحضر اسم معهد «ستيج آرت» لمديرته نغم ناعسة. المعهد الّذي وصفته ناعسة بأنّه «مستقلّ وتمّ تمويله من قبل رجالِ أعمالٍ سوريين»، كان قد تأسّس بمساهمةٍ من المعمارية يارا زرين، والمتخصّص في مجال الإضاءة والرسم، إضافةً إلى خرّيجة قسم السينوغراف في المعهد العالي ولاء طرقجي.
المعهد يضمّ أخصائيين وأكاديميين يُشرفون على تدريس موادِ التمثيل والرّقص والعزفِ على آلاتٍ عدّة (ترومبيت نزار عمران/ بزق محمد عثمان/ أوكورديون وسام الشاعر) إضافةً إلى ورشاتٍ لتعليم كتابة السيناريو وتقديم البرامج ومجالاتٍ أُخرى كثيرة.
عن آلية التدريس المُعتمدة في «ستيج آرت» تقول الممثلة نغم ناعسة «نُجري اليوم دوراتٍ تأهيلية تُساهم في تحسين أداء الطلّاب الراغبين في التقدّم إلى امتحانِ القبول في المعهد العالي للفنون المسرحية، ونظراً لحداثة المشروع فإنّنا سوف نعتمد نظامَ ورشات العمل قبل الانتقالِ إلى منهاجٍ ثابتٍ يوزّع على عددٍ محدّد من السنوات» وتُضيف ناعسة: «لن يكتفي «ستيج آرت» بتدريسِ الفنون، فنحن نسعى إلى تشكيل منصّة تحتضن مشاريع فنيّة صغيرة على غرار تجربة ومضة الّتي قدّمت نموذجاً مبهجاً من موسيقى الشوارع». وعن أهداف المشروع وخلفياته الفكرية تقول الممثلة السورية: «كلّ ارتقاءٍ بالفنّ في ظلّ الحرب التي تعيشها البلاد هو فعل مقاومة، ولأنّ صوتُ الرصاص صار عالياً جداً، فلا بدّ لنا من رفعِ صوتِ الموسيقى والرقص وعمومِ الفنون وكلّ أشكالِ الفكر».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى