سارة الموسوي.. مسارات وأحلام

محمد شرف

تهيأت سارة الموسوي لمعرضها الفردي الأول طويلاً، بعدما تهيّبت إقامته أكثر من مرّة. كانت شاركت ـ غير مرة ـ في معارض جماعية، لكن المعرض الفردي يختلف عن سواه، فهو أشبه باختبار ذاتي، سواء أكان العارض معتاداً على هذا النوع من النشاطات، أم أنه يخوض التجربة للمرة الأولى. تجربة تشبه الامتحان الشفهي، الذي ينوب فيه الشكل التمثيلي عن الكلام، أمام جمهور من شأنه أن يضع «علامة « على ما يشاهده، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه العلامة هي نسبية بامتياز، وتتراوح بين فرد وآخر، تبعاً لطبيعة المتلقي، ناهيك بثقافته واهتماماته.
نتيجة المسار
لكن الجمهور، في غالبيته، لا يرى إلاّ النتيجة الحاضرة أمام ناظريه، ولا يدرك المسار الذي سلكه الفنان، والعقبات التي اعترضت طريقه، والتي لا تكون حكماً عقبات تقنية أوتطبيقية، بقدر علاقتها بمصادر الشعور وبالأحاسيس، مع ما يمكن أن تحمله هذه من تناقضات تفرضها الظروف. هكذا، يمكن أن نرصد تنوع الأفكار، وإنعكاساتها التشكيلية المتفاوتة في معرض سارة الموسوي، أكان من حيث اللجوء إلى تقنيات لا تنتظم كلها ضمن المسار نفسه، من حيث الأسلوب المتنقل بين هذا التيّار أو ذاك. هذا الأمر نراه كنتيجة لسعي الموسوي إلى قول أشياء كثيرة دفعة واحدة، وإن كان هدفها الأكثر وضوحاً، كما هي حال العاملين في مجال التشكيل، التعبير عما يجول في نفسها من مشاعر ترتبط، بشكل او بآخر، بالمحيط الشخصي أو بالواقع المعاش.
وإذا كانت بعض أعمال سارة الموسوي ترصد بعض ملامح الواقع المذكور، فهي تستلهم موضوعاتها انطلاقاً من رؤى ذاتية لا تستند بالضرورة إلى معاينات موضوعية. رسمت سفناً تمخر عباب محيطات هائجة، وقامات إنسانية « تتلوّى» ضمن اللوحة، وفي غالب الأحيان في الجزء السفلي منها. وإذا كان لنا من مأخذ على سارة في هذا النطاق، فهو أنها لم تلتزم تماماً ببعض أصول التأليف، لجهة استعمالها حدود اللوحة في ما يشبه الحضيض الذي ترتكز عليه هذه الشخصيات، أو من حيث وقوع حدود هذه الشخصيات على خط عمودي مع عناصر اللوحة الأخرى . لكن هذه الملاحظة، التي يبدو أنها ضرورية، لا تُنقص كثيراً من حدة المناخ التعبيري العام، الذي أعارته الفنانة اهتمامها الأقوى . ويُخيل لنا أنها كانت باشرت العمل على لوحتها انطلاقاً من فكرة معيّنة ثم عمدت إلى إضافة عناصر أخرى إليها، تماشياً مع الحالة السيكولوجية الحاصلة في لحظة العمل، وتماشياً، أيضاً، مع بعض المؤثرات التقنية، التي يبدو أن الفنانة كانت لحظتها في مكان ما، وشاءت إسقاطها على عملها.
الانطباع العام الذي تتركه لدينا أعمال سارة الموسوي يشير إلى محاولة انعتاق من المحيط، وذلك في سعيها، من خلال مجموعة الأعمال الحاضرة أمامنا، إلى خلق أجواء حلمية. على هذا الأساس نلاحظ سعياً نحو تكوين فضاءات خيالية تمتزج فيها الألون وتتموّج على نحو ضبابي حيناً، أو ضمن مساحات لونيّة مسطّحة حيناً آخر، وتخترقها خطوط مستقيمة أو متعرّجة، وخيوط تحمل في أطرافها أشكالاً هندسية ذات أحجام، أو تنفصل تلك الأشكال لتستقلّ ذاتياً متخذة هيئة مثلّثات ودوائر وأشكال أخرى غير محددة، لتجتمع كلها من أجل تكوين «سفر الأحاسيس»، وهي العبارة التي اختارتها سارة الموسوي عنواناً لمعرضها.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى