وزير الثقافة عندما يفاجئ التشكيليين السعوديين

عبد الرحمن السليمان

التقى وزير الثقافة والإعلام السعودي عادل الطريفي عدداً من الفنانين التشكيليين السعوديين في مدينة جدة، وأطْلَعهم على المجمع الملكي للفنون الذي تم الإعلان عنه ضمن برنامج التحول الوطني 2030 وأمور أخرى، مستمعاً الى آرائهم ومقترحاتهم ووجهات نظرهم.
يُعدّ لقاء الوزير بالفنانين التشكيليين هو الأول من نوعه، وقد تكون خطوة مشجعة بغية تكرار هذا النوع من التواصل المهم. ففي الواقع، لم تعرف الحركة التشكيلية في المملكة مثل هذه اللقاءات، ولم نعهد كفنانين تشكيليين مقابلة الوزراء لمناقشة أوضاعنا الفنية او غير ذلك، بل كانت اللقاءات تقتصر على المعارض التي يفتتحونها. وقد شهدت الحركة التشكيلية في المملكة خلال الأعوام الأخيرة ركوداً رسمياً غير معهود، فالوزارة التي كانت وكالتها للشؤون الثقافية معنية بالنشاطات التشكيلية من خلال ادارتها التشكيلية لم تعد بتلك الحيوية التي انطلقت بها عندما ضُمّت الثقافة الى الإعلام. وخلال الأعوام الأخيرة، هيمنت المؤسسات الخاصة على الساحة وأخذت في ادارتها وفق آراء مالكيها وأمزجتهم واختياراتهم.
حضر اللقاء مدير جمعية الثقافة والفنون سلطان البازعي، ومحمد حافظ وحمزة صيرفي وأحمد ماطر وناصر السالم وقسورة حافظ وعبدالله العثمان ونجلاء السليم وعبير الغامدي وسارة أبو عبدالله. ومع انني كنت اعتقد بأن اللقاء مقتصر على فناني جدة، لكنّ حضور نجلاء السليم وسلطان البازعي من الرياض يعني ان ثمة انتقائية في دعوة الحضور.
تُدير بعض الأسماء – مع تقديري الشديد لها وعلاقتي الأخوية بها – شأناً فنياً تجارياً من خلال مؤسساتها الفنية الخاصة، وأنا هنا لا اعترض على الأسماء بمقدار الأفكار التي يمكن ان يطرحها من اجتمع بهم الوزير، وبعضهم أصحاب مؤسسات لديهم فنانوهم الخاصون (حضر بعضهم اللقاء) ممن يتعاملون معهم او يعرضون أعمالهم ويسوّقونها. ولعل من يمكن اعتبارهم فنانين في اللقاء لم نسمع بهم او غير معروفين على مستوى الساحة التشكيلية السعودية اذا استثنينا نجلاء السليم وراشد الشعشعي وأحمد ماطر، وهم من جيل شاب وطموح.
في كتابة سابقة، تزامناً مع تعيين عادل الطريفي في الوزارة، طالبت بلقاء الوزير بالفنانين التشكيليين بهدف التعرف على مشاكلهم وقضاياهم وتنشيط الدور الذي توارى للوزارة، بعد عقود من الرعاية والاهتمام والنشاط المتواصل، سواء على مستوى المركز الرئيس او المكاتب والفروع. وأعني بالخصوص عندما كانت الفنون التشكيلية تدار من خلال الرئاسة العامة لرعاية الشباب التي كانت تشرف على الشأن الثقافي. وعندما انتقلت الى وزارة الثقافة والإعلام كانت البدايات مشجعة، فأنشئت الجمعية السعودية للفنون التشكيلية وجمعيات أخرى متخصصة، وتواصلت نشاطات الوزارة على مستوى الداخل والخارج، والتي شارك في بعضها فنانون من خارج المملكة. وكانت بينها نشاطات متخصصة كمعارض الخط العربي أو النحت أو الميديا أو معرض الفن الإسلامي، لكننا افتقدنا النشاطات التي كانت تقام قبل عقد على مستوى المناطق من خلال مكاتب الرئاسة العامة لرعاية الشباب. وبالتالي كانت تلك أولى مشاكل فناني وفنانات المناطق الذين يحتاجون عادة الى الدعم منذ البداية، وبخاصة الأجيال الجديدة والشابة.
وكانت جمعية الثقافة والفنون – عبر فروعها تسعى الى عمل لم يكن مكتملاً، لأن الدعم المادي اصبح شحيحاً، بل ان النشاطات التي تقيمها الفروع – أصبحت للمبتدئين بعدما كانت تضم معظم فناني المملكة والأسماء المعروفة. إضافة إلى ان من يدير شأن بعض الأقسام او اللجان التشكيلية من الأسماء الجديدة التي ليس لديها علاقات بالوسط التشكيلي. أما جمعية التشكيليين فتسعى، من خلال فروعها في بعض المدن، الى كسب حضور اعلامي بنشاطات لا تضيف شيئاً. فهي تفتقد الدعم المالي، وقد اتخذت أساليب ترغم فيها الفنانين على الانضمام إلى عضويتها قسراً.
لم يضم اللقاء الذي جمع عدداً من الفنانين التشكيليين السعوديين بالوزير أسماء فنية مهمة بخبراتها وتاريخها وحضورها الفني المبكر، على خلاف عملها الإداري والتنظيمي في مجال الفنون التشكيلية لأعوام او عقود. كنت أتمنى حضور أسماء تمثل بعض رموز الجيل الأول والثاني كسعد العبيد وعلي الرزيزاء وسعد المسعري وأحمد فلمبان وهشام بنجابي وعبدالله حماس، وهناك ايضاً طه صبان وفؤاد مغربل ومحمد الرصيص وعبدالعزيز عاشور واعتدال عطيوي ومنيرة موصلي، ومحمد المنيف بصفته مكلفاً بإدارة جمعية التشكيليين، مقابل حضور سلطان البازعي مدير جمعية الثقافة والفنون، وغيرهم من الأسماء التي كانت مجتهدة ومطلعة على اشكالات الساحة ومعوقاتها، وبخاصة خلال العقد الأخير.
تحتاج الساحة الفنية السعودية – مع ثراء تجاربها وعدد فنانيها وسعة حضورهم الداخلي والخارجي – الى جهة حقيقية تستطيع جمعهم ورعايتهم وفق تصنيف يستفيد فيه الفنان الموهوب بكل الاهتمامات والتوجهات والأعمار، والمجمع الملكي للفنون بشرة خير على الساحة الثقافية بعامة والتشكيلية بخاصة، وأن يتوجه اليه ويستفيد منه كل الفنانين بكل فئاتهم وأعمارهم واهتماماتهم، ويرسم برنامجاً تعليمياً وتثقيفياً وإعلامياً تحقق الحركة التشكيلية معه تطلعاتها ورقيها.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى