«آسيد» في القاهرة.. البحث عن سينما مستقلة

وئام يوسف

هي المرّة الأولى التي يعرض فيها «برنامج آسيد» أفلامَه في مصر، ولعلّها خطوة قد تثمر محاكاةً للتجربة الفرنسية بإقامة جمعية لتوزيع السينما المستقلة في مصر أسوةً بآسيد ـ (اختصار «جمعية توزيع الأفلام المستقلة») -، التي تسعى لتذليل العقبات التي تعترض صناع السينما المستقلة وأهمها الإنتاج والتوزيع.
قدم أسبوع آسيد 12 فيلما من العالم (بين 31 آب – 6 أيلول)، أكثر ما ميزها أنها صنعت خارج إطار الإنتاج العام المسيطر، بل اعتمد صنّاعها على جهود شبه ذاتية، رغم ذلك، قدموا أعمالا جالت العالم ونالت العديد من الجوائز. في حين استُهِل الأسبوع بالموسيقى المستقلة التي قدمتها «سلالم»، فرقة مصرية تؤدي مزيجاً من موسيقى الروك والريجي والبلوز والفنك، ترافقها كلمات بسيطة وقريبة من الناس وتعبر عن يومياتهم ومعاناتهم.
العام 1993 أُطلِق برنامج آسيد ضمن مهرجان «كان» السينمائي، خارج المسابقة، يشارك فيه حوالي 15 مخرجا مهمتهم اختيار 9 أفلام روائية ووثائقية، من ضمن مئات الأفلام التي تقدم للبرنامج من مختلف أنحاء العالم، تؤكد المخرجة الفرنسية آنا روسييون ــ عضو في برنامج آسيد ــ للسفير أنّ جلّ ما يركز عليه البرنامج هو اختيار الأفلام التي لم تحظَ بفرص للانتشار، كما أنها خارجة عن إطار الإنتاج العام المسيطر والذي يحتاج الكثير من التمويل والنجوم أيضاً».
فنون السينما
تضيف روسييون أن «آسيد» ينسق مع جمعيات فنون السينما في دول مختلفة من العالم، ويسعى لإنشاء لغة حوار مع مخرجي السينما المستقلة. «تجربة آسيد تهدف إلى مساندة الأفلام التي اختيرت، ومنح المخرجين مزيدا من الخبرة، وتنظيم جمعية خاصة بمخرجي السينما المستقلة في دول أخرى، بما يتوافق مع المناخ الفني لكل بلد». ربما أن صنّاع السينما المستقلة في مصر هم الأحوج إلى إنشاء جمعية لتوزيع ونشر أفلامهم، خاصة أن أكثر مايعانونه هو تسويق الأعمال، كونها تحمل مضموناً خارجاً عن المألوف أو السائد، ما يجعل العرض أمرا ليس بالسهل، فلعلّ محاكاة التجربة الفرنسية تفتح آفاقاً جديدة للسينمائيين المستقلين في مصر.
العنصرية والتهميش اللذان تعاني منهما ضواحي باريس كان محورا لأفلام عديدة تخللت أسبوع آسيد في القاهرة، لكن برؤى فنية مختلفة، أحدها فيلم «اختيال» وثائقي يمزج بين الواقع وبعض المشاهد الخيالية الكلاسيكية، من خلال حوار مع شباب من ضاحية «أولني» الفرنسية يحكون تجاربهم ومكابدتهم، ليُمزَجَ الحوار بعد حين مع مشاهد لأبطال أفلام أميركية بشكل لافت ومثير للاهتمام. الفيلم يتناول أزمة الضواحي من زاوية مختلفة.
«بروكلين» فيلم آخر مغلف بخطاب سياسي حول أزمة الضواحي الفرنسية، وكان قد عُرض ضمن برنامج آسيد بفرنسا عام 2014، أخرجه باسكال تيسو، الشاب القادم من الضواحي ومن عائلة متوسطة الحال، وقد تشرب من خلال حياة أبيه كعامل في أحد المصانع معاناة تلك الطبقة وما تكابده في يومياتها، فأراد من خلال «بروكلين» أن يكون صدى لصوت أولئك المهمشين في الضواحي، وأنهم يستحقون حياة أفضل بدلا من الاتهامات التي توجه لهم على أنها مناطق مشبوهة وحاضنة للتطرف والجريمة. يحكي الفيلم قصة بروكلين فتاة تعيش في ضاحية «ساندوني» تغني الراب وتكافح لتحقيق حلمها. وقد استعان المخرج بسكان من المنطقة ليشاركوه العمل ويعطوه طابعا أكثر حقيقية، فأقام معهم ورشة عمل سبقت الدخول في تصوير الفيلم الذي حقق نجاحا وانتشارا في فرنسا.
الجمهور
المخرج الفرنسي إيمانويل غرا يشارك في تقديم أفلام آسيد في مصر، ويتخلل الأسبوع فيلم من إخراجه حمل عنوان «أبقار»، وثائقي يسلط الضوء على دورة حياة هذا الحيوان الأليف منذ ولادته، مرورا بالانفصال عن أمه، وصولا إلى متغيراته حسب الظروف المناخية. «أردت تقديم فيلم عن حيوان أليف، مع التركيز على الحالات التي قد يتحول فيها لمفترس، بعيدا عن السياق المعتاد، إلى جانب متغيرات هذا الحيوان المخصص غالبا للذبح، تبعا للمناخات المختلفة سواء في الأمطار أو الحرارة، متناولا جميع مراحل حياته»، يضيف للسفير أن الفيلم حقق انتشارا في فرنسا وعرض في مهرجانات دولية عدة في العالم، كما رُشح لجائزة سيزار الفرنسية لأفضل فيلم تسجيلي عام 2012.
إيمانويل غرا لم يشاهد الكثير من الأعمال السينمائية المستقلة في مصر، إلا أنه تواصل مع مخرجين مصريين ولمس مدى الصعوبات التي تعترض صناعة السينما المستقلة «آمل أن يكون عرض برنامج آسيد في مصر خطوة داعمة لصناع السينما المستقلة من خلال عرض تجارب من العالم قدمت نظرة مختلفة للسينما وانتشرت بعيدا عمّا يسمى بسينما الجمهور».
الفن السابع المغاربي كان له مساحة في أسبوع آسيد من خلال الفيلم التونسي «شلاط»، وثائقي تتخلله مشاهد روائية جمعت بين الدراما والكوميديا، أخرجته كوثر بن هنية، التي نجحت في تسليط الضوء على الظلم والقهر الذي عاشه الشعب التونسي قبل عام 2011 حيث قامت الثورة التونسية، عبر حكاية «الشلاط» المستوحاة من واقع روّع التونسيين في عام 2003 عندما كان «الشلاط» لقب رجل يجول في حواري المدينة على دراجته، ويضرب أفخاذ النساء بآلة حادة، كعقاب لهنّ على المبالغة في التزيّن والإغراء. غموضٌ ورعب حاولت بن هنية كشف ملابساته في الفيلم الذي شارك ضمن برنامج آسيد في مهرجان كان السينمائي عام 2014.
اثنا عشر فيلما عرضت عبر ثلاث شاشات في القاهرة (زاوية، سيماتيك، المركز الثقافي الفرنسي) وقد اختيرت من حوالي 30 فيلما عرضها برنامج آسيد الفرنسي خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، وقد نجحت في تقديم رؤية فنية جديدة وطاقة إبداعية مختلفة لمشاهدي ولصناع السينما المستقلة في مصر.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى