علاجٌ بالتلوين

خاص ( الجسرة )

ليال الدويهي – شمال لبنان (زغرتا)

اهدن تلك البلدة الجبلية تضج حياةً وصخب في فصل الصيف. يلفتك في شوارعها كثرة المطاعم والمقاهي المزدانة بزوار من كافة المناطق اللبنانية وهكذا حتى تصل إلى وسطها أو إلى نواتها حيث “الميدان”، مركز ثقل البلدة تطرب آذانك موسيقى صادحة من أماكن عديدة يتمتع قلبك بتجمعات الشباب والصبايا والعائلات… ويدهش نظرك ساحة الميدان وأبنيتها التراثية….
كلمةٌ واحدةٌ مشتركة على لسانهم “أهلاً شرفتونا”.
تقع تحت ناظريك عشوائية يبقى لها سحرها الأخاذ- زوايا- زوايا كل منها تحمل أسرارها وتفضح عشاقها ليصل نظرك إلى زاويةٍ تختلف عن اخواتها صامتة… هادئة… مليئة بالناس…
المشهد غريب عليك كل هذا التناقض بزاوية واحدة مما يحرك فضولك لاكتشاف خباياها.
ساحة تجمع مختلف الطاولات ببعضها البعض يافطةٌ في ال-“ciao” تعلن عن حدثٍ فريد من نوعه.
أهو مهرجان؟
أهي مسرحية؟
شيئٌ ما ينتظرنا
تطل الاخصائية في علم النفس العيادي الانسة ليال عزيزي لتستقبلك وتعرف عن هذا الحدث “العلاج عن طريق الفن”.
أشخاصٌ من مختلف الاعمار اجتمعوا تحت سقف ذلك المطعم.
“مثل هذا الحدث هو نوعٌ من التشجيع لامتلاك الجرأة على التعبير، العلاج من خلال الفن، أسلوب جديد لمعالجة الأطفال خاصةً أنهم لا يملكون القدرة على التعبير الصحيح لدواخلهم، لكن هذا الحدث اليوم هو للجميع ولحث كل الأشخاص للهروب من صعوباتهم وما يعانون منه”، كما تحدثت الانسة ليال عزيزي.
البداية اختيار ورقةٍ مرسوم عليها بالأبيض والأسود ومن المؤكد أن اختيارك سيكون حسب كوامن نفسك.
بعدها عملية إختيار الألوان والانتهاء من التلوين. مشاركو هذا الحدث كانوا من كل الاعمار، اندمجوا اندماجاً تاماً، تبادلوا الأحاديث، اندهشوا بألوان بعضهم البعض، احتل كل واحد منهم مكان الطبيب النفسي وراحوا يحللون ألوان بعضهم.
“أنت سوداوي”…
“أنت متفائل”…
“أنت واسع الأفق”….
“أنت عصبي”…
وهكذا…
جلسوا غرباء واصبحوا أصدقاء وبقي لكل واحد منهم خصوصيته.
الملفت للنظر في جمعة الفن هذه أن المشاركين تخلوا عن التكنولوجيا وعالمها الإفتراضي وعاشوا العالم على حقيقته.
“لست مجبراً أن تكون فناناً أو خبيراً في الرسم والتلوين المهم والأساس أن تمزج ألوانك المفضلة بصورة تعبر عنك”، اضافت ليال عزيزي.
وفي مسيرتك التلوينية هذه تتابعك المعالجة النفسية وتثني بين حينٍ وآخر على عملك الجميل وما وصلت إليه من مزيج ألوانٍ غير متجانسٍ نظرياً ولكن نفسياً قد يعني لك الكثير.
“هذا الحدث طبعاً ليس علاجاً نفسياً ولكنه طريقة للتنفيس عن ما في باطن الشخص، العلاج يتطلب وقتاً أكبر وعيادات مختصة لمتابعة هذا النوع من العلاجات، لكن الحدث لليلة واحدة حقق نتيجة غير متوقعة بمشاركة كل الاعمار، ومشاركة العائلات كانت ملحوظة، تحفظوا في البداية وبعدها إسترسلوا في التلوين والفرح”.
ومن بين المشاركين هلا الفتاة العشرينية التي قالت: “فرحنا جداً بهذه المشاركة التي اعادتنا إلى طفولتنا الجميلة. حاولنا أن نصنع بصمة برسوماتنا”.
أما تلك السيدة الأربعينية فقد اثنت على هذا الحدث الذي استنهض الطفولة النائمة فيها.
ونوهّت الاخصائية ليال عزيزي أن “الفن هو لفتة عالمية موحدة تساعد الأشخاص الخروج من ذاتهم وكسر العوائق والحواجز النفسية، فالعلاج عبر الفن هو لتنمية الذات واكتشافها، وللقدرة على التعبير من خلال طرق خلاقة، وبرأيها هو إضافة للعلاج العيادي”.
فكرةٌ ادخلت إلى العلاج النفسي العيادي للمساهمة في تخفيف المشاكل النفسية وبالأخص في عالم مليء بالاضطرابات والحروب المدمرة.
دراسة تستحق التجربة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى