«موسيقى ع الماشي» في شوارع رام الله

بديعة زيدان

شكّل ثمانية موسيقيين يافعين حالة فنيّة لافتة في رام الله، وجمعوا حولهم جمهوراً ملحوظاً في ما يقدّمونه. أربعة شبان وأربع فتيات، يعزفون على آلات متنوعة، شرقية في غالبيتها، وبينهم مغنية، يحملون حقائب معداتهم، وينصبونها برفقة معدات صوتية بسيطة في شوارع مدينة رام الله، قبل أن ينطلقوا عزفاً وغناء في تقديم فقراتهم التي باتت تحظى بحضور جماهيري، وآخر تفاعلي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتحمل اسم «موسيقى ع الماشي».
ومن الأماكن التي غنى فيها أعضاء الفرقة الذين تتراوح أعمارهم بين الرابعة عشرة والعشرين، شارع السهل في المدينة، وسوق الحرجة في البلدة القديمة، وميدان ياسر عرفات الذي كان يسمى «دوّار الساعة» سابقاً في وسط المدينة، وسط تشجيع من المارة، وممّن قدموا خصيصاً لحضورهم من ذويهم وأصدقائهم أيضاً.
بدأت الحكاية وفق جورج غطاس، منسق النشاطات في معهد إدوارد سعيد للموسيقى حيث يدرس أعضاء الفرقة الموسيــقى والغناء، حين قرروا تشكيل فرقة لم يخــتاروا لها اسماً لها بعد، وإن كان عازف العود فيها سيفان قال لـ «الحياة» إن اسمها قد يكون «ع الماشي» وهو مستوحى من عنوان العروض التي يقدمونها.
غنت ريم المالكي بصوتها اليافع أغنيات تنوعت ما بين الطربي والوطني، وعزف رفاقها أحمد هواش وسيفان برغوت وديمة الخواجا ونديم خوري وانطون برغوت ومايا عطاري ومنى بدارنة، مقطوعات موسيقية منفردة ومرافقة لها، في «الحرجة» وغيرها من المواقع في رام الله، ضمن مهرجان «وين ع رام الله 2016»، مختتمين فقرتهم بنشيد «موطني» الذي لطالما اعتبره الفلسطينيون رمزاً وطنياً، للشاعر الفلسطيني الراحل إبراهيم طوقان، وبات بعد انهيار نظام صدام حسين، نشيداً وطنياً للعراق. انطلقت الأغنية بحنجرة الواعدة المالكي قبل أن تنضم إليها حناجر العشرات ممن كانوا في «الحرجة»، وحناجر المئات في الشوارع والميادين الأخرى في رام الله.
واستطاع فريق «ع الماشي»، إعادة الاعتبار لموسيقى الشارع في فلسطين، وأوجد حالة من البهجة والفرح في شوارع رام الله، مصيف فلسطين على مدار العقود الماضية، والتي تشتهر بمهرجاناتها الصيفية منذ عشرينات القرن الماضي وثلاثيناته.
وهذا ما عبر عنه سامي عوض، الموظف في شركة في المدينة بالقول: «إنه لأمر رائع ما يقوم به هؤلاء الفنانون الصغار، اذ يبثون البهجة والفرح في نفوس الجميع، خصوصاً أن الفلسطينيين في أمسّ الحاجة إلى هذا الخروج، ولو لساعة أو أقل، من الإحباط الذين يكبلهم بسبب الاحتلال، والظروف السياسية والاقتصادية التي يعيشونها».
أما عصام جدع، المتقاعد المقيم في فلسطين بعد سنوات في الكويت، فعبّر عن ابتهاجه بما يقدمه أعضاء «ع الماشي»، لافتاً إلى أن «الموسيقى مصدر أساس للراحة النفسية التي نحتاج إليها ولو لبعض الوقت في فلسطين. نحن في حاجة إلى الفرح التي تمنحنا إياه موسيقى هؤلاء المبدعين اليافعين، كما تمنحنا القدرة على الصمود»، مشدداً على أهمية استثمار المساحات العامة في رام الله وفلسطين لتقديم فعاليات فنية وثقافية، كما هي الحال في أميركا وأوروبا.
وحول فكرة «موسيقى ع الماشي»، واستثمار المساحات العامة في فعاليات فنية، قالت سالي أبو بكر مديرة مهرجان «وين ع رام الله» الذي تنظمه بلدية المدينة: «تأتي هذه الفعالية في إطار مساعي البلدية لتشجيع الفنانين والفرق الفنية على تنوعها لإظهار إبداعاتهم في المساحات العامة بالمدينة من ميادين وشوارع، بحيث تتحول إلى عادة ليست بالضرورة مرتبطة بمهرجانات خصوصاً في فصل الصيف… عفوية هذه العروض، وعفوية التفاعل معها من أبرز ما يميزها».
ولم تنكر والدة المغنية اليافعة ريم المالكي تخوفها قبل العرض من رد فعل الجمهور، ومن حجم التفاعل، وهو ما تبدد خلال العرض، وبعيده، معبرة عن سعادتها وفخرها بما قدمته الفرقة، لافتة إلى أن أجواء مهرجان «وين ع رام الله» مواتية لاحتضان هكذا فرق فنية ناشئة.
وأشار العازف سيفان برغوت إلى أن الفرقة، ومنذ تأسيسها كانت تقوم على فكرة العزف في الشوارع والساحات والميادين العامة، وحين لقيت العروض استحسان الجمهور واصلنا تدريباتنا حتى تم اختيارنا للمشاركة في فعاليات ضمن ما سميّ «موسيقى ع الماشي» في مواقع متعددة برام الله، موضحاً أن تشكيل الفرقة أخذ في الاعتبار حالة الانسجام بين أعضائها كأصدقاء، وتوزيع العازفين على الآلات المختلفة، في حين شددت العازفة مايا عطاري على أن معيار النجاح بالنسبة اليهم هو تفاعل الجمهور «الرائع» مع ما يقدمونه، وحالة الابتهاج الواضحة على ملامحهم.
وكان مهرجان «وين ع رام الله» انطلق في ميدان راشد الحدادين، في البلدة القديمة المعروفة باسم «رام الله التحتا»، بعرض موسيقي لجوقة بيات للإنشاد والموسيقى من بلدة معليا في الداخل الفلسطيني بعنوان «جبليات»، قدموا خلالها مقطوعات موسيقية وأخرى مغناة من التراث الشعبي اللبناني، وما قدمه الرحابنة في هذا الإطار بأصوات فيروز ووديع الصافي ونصري شمس الدين، معلنين انطلاق المهرجان الذي يضم فقرات تتنوع ما بين الموسيقى والغناء والرقص والسيرك وغيرها.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى