«المسرح التجريبي» في القاهرة.. مهرجان من دون تجريب

محمد شعير

تبدأ في السادسة مساء اليوم (الثلاثاء)، فعاليات أكثر مهرجان مصري تعرضاً للنقد منذ أن بدأ قبل ربع قرن: «مهرجان المسرح التجريبي»، الذي يعود بعد ست سنوات من التوقف متخفيا تحت اسم جديد: «مهرجان المسرح المعاصر والتجريبي»، ربما بعد أن أصبحت كلمة «التجريب» ذات سمعة سيئة، وربما هروباً من أسئلة الماضي التى طرحها الإعلام فى دورات المهرجان السابقة. السؤال الرئيسي المطروح: ما جدوى مهرجان للمسرح التجريبي فى بلد بدون مسرح من الأساس؟ وما جدوى تبديد ميزانية مهولة يمكن من خلالها افتتاح عشرات المسارح المغلقة منذ سنوات عديدة تحديدا بعد حادث احتراق مسرح بني سويف؟
في تصريح ذي دلالة للرئيس السابق لـ «البيت الفني للمسرح» فتوح أحمد قبل أيام، قال: «إن نصف مسارح مصر مغلقة بفعل فاعل». وبرغم مرور ثلاثة أعوام على تفجير «مسرح المنصورة»، لم يتم اتخاذ أي خطوات لإعادة ترميمه برغم تبرع حاكم الشارقة بـ 20 مليون دولار لهذه المهمة. وفي تصريح خاص قال الناقد والمخرج المسرحي ناصر كامل: «لم يبن مسرح جديد فى مصر منذ أكثر من ثلاثة عقود، بل إن المسارح فى مصر في تناقص مستمر». وأضاف: «تخبرنا ميزانية «البيت الفني للمسرح» الذي يضم تسع فرق مسرحية في القاهرة وواحدة فى الإسكندرية أن الدولة تخصص للمواطن المصري نحو نصف جنيه (خمسين قرشاً) سنويا للانتاج المسرحي».
إلى جانب آخر تفجرت أزمة مسرحية بعد إعلان هيئة الكتاب إغلاق «مجلة المسرح»، كما تمت إقالة الناقد يسري حسان من رئاسة تحرير جريدة «مسرحنا» بعد أن خصص عددا من المجلة للرد على تصريح لوزير الثقافة حلمي النمنم بأنه لا يوجد نقد مسرحي فى مصر. وسط هذه الأجواء كان يمكن أن يطرح المسرحيون سؤالا قبل عودة المهرجان: هل أستطاع المهرجان أن ينقذ المسرح المصري؟ وما التأثير الذي تركه خلال دوراته الـ 22 السابقة؟
لكن لن ننتظر إجابة من أحد، لأن أحدا لا يستطيع الإجابة. تأتي الدورة الجديدة من المهرجان الذي تصور البعض أنه سينتهي بعد إقالة فاروق حسني من منصبه.. وسط خلافات واعتذارات وانسحابات وارتباكات تهدد إقامة دورة ناجحة، ما يجعل البعض يتخوف من انتهاء المهرجان بـ «فضيحة دولية»ّ!
انسحبت الناقدة عبلة الرويني من رئاسة اللجنة الإعلامية، بعد أن رأت أن شروط العمل فى المهرجان غير مناسبة لها، كما نشر الفنان أحمد اللباد بيانا حكى فيه عن تكليفه من إدارة المهرجان بتصميم وتنفيذ المطبوعات الخاصة بالمهرجان، وبعد أن انجزها وسط ظروف مرتبكة من إدارة المهرجان تمّ التنصل مما قام به، بل ورفض الرد على مكالماته لتسليم المادة وهو الأمر الذى اعتبره اللباد: «بعد عمل مخلص لأسابيع في ظروف أدنى من المهنية.. وتحمّل شروطا لا تليق بمبتدئين.. يحاول القائمون على ما هو يعتبر أهم حدث مسرحي حالي مفترض أن يرمز لذروة الاحتشاد والتفاني التملص بكل تلك الخفة والاستهتار من استحقاقات ورطوا فيها من تصور أن العمل الجاد المسؤول هو بديهة وواجب. مشاركين في تكريس فكرة أن لا عمل حقيقيا مطلوب. وأن الجدية ترف، وأن الالتزام فكاهة. بما يدعو إلى الخجل والحزن. وأصبحت بعد كل هذا الاستنزاف والتحمل كمن يقوم بالسعي وراء «أصحاب عمل»، أو «مطاردتهم». لذا لن يصدر عن المهرجان أي مطبوعات أو ترجمات كما كان يحدث خلال السنوات الماضية، ربما للتسرع فى الاعداد للمهرجان، وعدم التعامل معه بحرفية برغم أن اللجنة تعمل منذ أكثر من عامين!
خلافات
كانت الخلافات بين مجلس إدارة المهرجان الذى يرأسه سامح مهران قد بدأت أثناء المناقشات حول اختيار المكرمين، إذ اعترض بعض أعضاء اللجنة على تكريم المهندس محمد سيف الأفخم «مدير بلدية الفجيرة الاماراتية»، على اعتبار أنه ليس كاتبا أو ممثلا أو مخرجا مسرحيا سواء فى المسرح التقليدي أو التجريبي، ولكن تمّ تبرير تكريمه بأنه أول عربي يرأس «الهيئة الدولية للمسرح باليونسكو»، وسوف يتمّ مقابل هذا التكريم توقيع برتوكول تعاون بين «الهيئة» و»مهرجان المسرح التجريبي» لتوطيد العلاقة بين الطرفين في مجالات فنون العرض والإبداع والثقافة وتزكية مفاهيم التعايش والسلام والتفاهم الدولي ودورها الفعال في التنمية كما يشمل التعاون جميع أوجه تبادل المعلومات والخبرات ونشر الثقافة المسرحية بالعديد من الوسائل. وفضلا عن الأفخم يكرّم المهرجان الفنان الكبير جميل راتب والمخرجة الأميركية الإيرانية تورانج يجيازاريان المؤسسة لأعمال فرقة الخيط الذهبي وهي أول فكرة مسرحية في اميركا تكرس أعمالها لمنطقة الشرق الأوسط والمهاجرين العرب، والمخرج الصينى لوانج استاذ وعميد ورئيس قسم الاخراج بأكاديمية المسرح بشنغهاي ونائب جمعية شنغهاي للمسرح، ومن كينيا مومبى كايوجا وهي كاتبة وممثلة ومنتجة ومخرجة مسرحية وسينمائية وتلفزيونية والرئيس الأسبق لمركز تطوير الإعلام فى افريقيا «ميديفيا»، وفيمي اوسوفيسان من نيجيريا الأستاذ بجامعة كوارا، ماليتي، ايلورين وأستاذ زائر في جامعة بكين بالصين ورئيس قسم التمثيل بكلية اريسبوايل للغات الحديثة ورئيس قسم الفنون المسرحية.
وعلى الرغم من توجيه الدعوة لعدد كبير من الدول إلا أن عشر دول فقط من أوروبا وأسيا وأميركا وافقت على المشاركة في المهرجان بعروض خاصة، فضلا عن سبع دول عربية، لتقديم 31 عرضاً، وتمّ اختيار العرض الصيني «عاصفة رعدية» للمخرج شين داليان في حفل الافتتاح احتفاء بإعلان 2016 العام الثقافي المصري الصيني، كما اختير عرضًا مصريًا لحفل الختام وهو «يا سمّ» للمخرجة شيرين حجازي. وقد تمّ تقديم حفل الافتتاح ليبدأ في السادسة بعد اكتشاف وزير الثقافة حلمي النمنم (المولع بافتتاح المهرجانات) أن مهرجانا دوليا آخر سيقام في نفس التوقيت، وهو مهرجان «سماع» للموسيقى.
المشاركون
يذكر أن الدول المشاركة فى المهرجان هي إيطاليا وشيلي والولايات المتحدة الأميركية وأرمينيا وبولندا والصين والمكسيك ومولدافيا ورواندا وتونس والإمارات وروسيا بالإضافة إلى عرض سويدي للمخرج العراقي انمار طه، ولبنان الذي يشارك بعرضي «هو الذي رأى»، و «بس أنا بحبك». ومن بين فعاليات المهرجان ست ورش عمل متخصصة في تقنيات المسرح التجريبي والمعاصر يديرها مجموعة من خبراء المسرح المصريين والعالميين من شيلي والولايات المتحدة وباكستان والهند، بالإضافة إلى سلسلة من الحلقات النقاشية وموائد الحوار التي تركز من بين موضوعات متنوعة على العلاقة بين المسرح العربي والغرب بمشاركة باحثين مصريين وعالميين يمثلون نحو 18 دولة، ومن ضمن محاور النقاش: «الإبداع المسرحي والحركة النقدية.. فضاءات الحوار والتفاعل الخلاَّق»، «ماذا قال؟ المسرح وقضايا تكفير التفكير»، أما المحور الثاني: «كيف قال؟ التجريب وتثوير الأبنية الجمالية»، والمحور الثالث: ماذا نقول للآخر؟ وفيه يتمّ تناول القضايا العربية في المسرح الغربي، والمحور الرابع: كيف نتفاعل؟ حول الحركة النقدية والمسرح المقاوم.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى