«أسبوع الفيلم الألماني» في بيروت.. أسئلة مؤجلة واستعادة فاسبيندر

علي زراقط
أصبح هناك للسينما الألمانية في بيروت موعد سنوي، حيث يمكن لهواة الفن السابع أن ينتظروا أفلاماً آتية من ألمانيا للسنة الثالثة توالياً. تنطلق ليل اليوم الخميس الثاني والعشرين من أيلول الدورة الثالثة من «أسبوع الفيلم الألماني»، التي تستمر حتى الثاني من تشرين الأول ٢٠١٦ في سينما متروبوليس أمبير صوفيل، الأشرفية.
بعد دورتين ناجحتين، تقدّم الدورة الثالثة من «اسبوع الفيلم الألماني» مجموعة مختارة من اثني عشرة فيلما ألمانيا حديثا، لاقت نجاحاً في العديد من المهرجانات الدولية. كما تشتمل البرمجة على استعادة تكريمية للمخرج الألماني راينر فيرنر فاسبيندر (١٩٤٥ – ١٩٨٢)، عبر عرض خمسة من أفلامه بنسخها المرمّمة رقمياً. كما يتمّ بالتزامن مع هذه الدورة، تنظيم ورشة العمل السنوية «مواهب بيروت» التي تتوجه إلى محترفي الأفلام اللبنانيين والعرب.
يفتتح «أسبوع الفيلم الألماني» فعالياته بفيلم على قدر كبير من الفرادة في السرد والنظرة إلى العلاقات الحديثة: «توني إردمان» للمخرجة «مارين أديه» الذي أعاد ألمانيا للمنافسة في المسابقة الرسمية في «مهرجان كانّ السينمائي الدولي» منذ عام 2008، كما رشّحته ألمانيا رسمياً لتمثيلها في السباق على أوسكار أفضل فيلم أجنبي 2017. تعود المخرجة التي عرفت من خلال فيلمها السابق «كل الآخرين» (2009) إلى موضوع العائلة، من خلال قصة وينفريد كونرادي (بيتر سيمونيشك) أستاذ الموسيقى الستيني المطلق، الذي يحب أن يقع بالمقالب ويمتلك حس فكاهة فريداً. يبدو أن وينفريد لا يأخذ الحياة على محمل الجد، إلا أن ابنته إيناس (ساندرا هولر) على عكسه تماماً فهي جدية جداً، حيث تعمل كمديرة مشاريع في شركة استشارات في بوخارست. عندما تزور إيناس العائلة تظهر العلاقة بين الأب وابنته باردة، لذا يقرر وينفريد أن يسافر إلى بوخاريست بزيارة مفاجئة بعد وفاة كلبه. دخوله المفاجئ على حياتها المنظّمة يضع أمامها الأسئلة المؤجلة عن الهدف من الحياة. كما يُريها البرود والقسوة اللذين يسيطران عليها بلا حياة شخصية وبلا أصدقاء حقيقيين. تصطدم المرأة الشابة بوالدها، فيقرر الرحيل، إلا أنها تتفاجأ به متنكّراً في اليوم التالي بشخصية كاريكاتورية تدعى «توني إيردمان»، الذي يقدّم نفسه على أنه «مدرّب حياة»، لتتكشّف العلاقة بين الاثنين في نوع من التحدي والعاطفة المكبوتة بينهما. إن كان برود الأعمال هو ما تخفي إيناس به عاطفتها، فإن عاطفة وينفريد تختفي خلف فكاهته الغريبة.
مجتمع غارق
تدخلنا الكاتبة والمخرجة في لعبتها كاشفة كل تفصيل تلو الآخر، صانعة بورتريه لمجتمع غارق في شؤون المال والأعمال من عين شخص غريب عنه يكتشف بروده، زيفه، جشعه، والجمود العاطفي الذي يعتري ناسه حتى في الأمور الحميمية. في أحد المشاهد نرى إيناس تدخل إلى غرفة زميلها في الأوتيل، نكتشف أن علاقة جنسية تجمعهما، إلا أن المرأة المهووسة بالتحكم ترفض أن تمارس الجنس، بل تطلب أن تشاهده وهو يستمني على قطعة حلوى، ثم تأكلها. تكتفي من متعة العلاقة بمشاهدة الاستمناء، كأنها ترفض أن تكون هناك علاقة، أن يكون هناك حب أو أي نوع من العاطفة. دخول توني إيردمان بفوضويته وعبثه الظاهر من مظهره إلى المنطق الذي يتكلّم به، مروراً بإصراره على التهكم الدائم، يؤدي بالوالد والإبنة إلى اعادة اكتشاف المشاعر بينهما. يُذكر أن «توني إيردمان» حاز مؤخرّاًّ على جائزة الاتحاد الدولي لنقاد الأفلام (فيبريسكي) الكبرى لعام 2016، وهذه هي المرة الأولى التي تُمنح الجائزة لفيلم أخرجته إمرأة.
تقدّم البرمجة أيضاً عدداً من الأفلام المهمة والمنتظرة، ففي «أنا وكامينسكي»، يعود المخرج وولفغانغ بيكير ليجتمع بدانييل بروهل، الممثل الذي لعب دور البطولة في فيلمه الأشهر «وداعاً لينين!» (2003). يروي الفيلم في قالب من الدراماكوميدي قصة سيباستيان، صحافي مغرور يحاول أن يكتب السيرة الذاتية للفنان المشهور مانويل كامينسكي الذي حقق شهرة في عالم الفن عبر كونه فناناً ضريراً. يُغريه سيباستيان بأن يصحبه في رحلة للقاء حبيبته من أيام الطفولة، إلا أن أحداً لا يعلم ما يمكن لهذا الرجل العجوز الفـــطن أن يخبّئ من مفاجآت.
لقاء الذئب
ويقدّم «13 دقيقة» (إخراج «أوليفر هيرشبيغل» الذي سبق أن رشّح لجائزة أوسكار عن فيلمه «السقوط») قصّة جورج إلزير الذي يقبض عليه بعد قيامه بمحاولة فاشلة لاغتيال أدولف هتلر عام 1939. في ما يتابع «فوكوشيما، حبّي» للمخرجة «دوريس دورّي» قصّة ماري التي تقرر السفر إلى اليابان مع مجموعة من المهرجين للترفيه عن ضحايا تسونامي 2011، وذلك للتعويض عن خسارتها لعلاقتها. خلال وجودها في اليابان تقترب من سيدة يابانية مسنة، وترافقها في رحلة تعرف خلالها أنه بالرغم من فوارق السن والثقافة، فإن السيدتين تشتركان في المخاوف ذاتها. فاز الفيلم بجائزتين في مهرجان برلين السينمائي الدولي 2016. أما «بريّ» (wild) للممثلة والمخرجة نيكوليت كريبيتز يحكي قصة شابة تسحرها الطبيعة البرّية بطريقة مذهلة، محاولة القطع مع الحياة المدينية المصطنعة بعد لقائها بذئب خلال عودتها من العمل.
(السفير)