مهرجان طنجة الدولي يؤكد عودة الحكاية إلى خشبة المسرح العالمي

نظم المركز الدولي لدراسات الفرجة الدورة الثانية عشر من مهرجان طنجة الدولي للفنون المشهدية تحت شعار “المنعطف السردي في المسرح: عودة فنون الحكي”؛ واحتفت بإحدى أيقونات الدراسات المسرحية بالعالم مارفن كارلسن الذي صادف عيد ميلاده الواحد والثمانين.

وترجع علاقة هذا الباحث الأميركي بالمسرح العربي منذ أن حل في مؤتمر “الأداء الكوميدي في المسرح المغربي” بكلية آداب تطوان عام 2005 بوصفه خطوة مؤسسة في فتح الحوار بين خبراء المسرح العربي ونظرائهم في العالم الغربي؛ إذ اقترح انضمام شبكة من الباحثين المسرحيين العرب للفيدرالية الدولية للأبحاث المسرحية التي لم تكن مهتمة بشكل واضح بالعالم العربي؛ وقد عرف المؤتمر السنوي الذي احتضنته فنلندا حضورا لافتا للعالم العربي، وذلك من خلال المحاضرة الافتتاحية التي ألقتها د. نهاد صليحة بوصفها أول باحثة عربية.

وتم تقديم أوراق عن المسرح العربي برئاسة كارلسن وكولك، وفي هذه المرحلة سينفتح مارفن كارلسن على جغرافيات مسرحية خارج حدود مصر من خلال ورقة قدمها عن المسرحية الجزائرية فاطمة كالير، فضلا عن حضور كل من حازم عزمي، وشمس الدين يونس من السودان، وفرح يجينيه تبريزي من إيران، وخالد أمين من المغرب.

وشكل هذا المؤتمر لحظة لتأسيس حضور عربي دائم ضمن فعاليات المنظمة، إذ أصبح في الفيدرالية منذ عام 2007 فريق مجموعة البحث في المسرح العربي.

وقد قدم مارفن كارلسن أبحاثا عديدة حول المسرح في الدول المغاربية، وورقة عن المسرحي المغربي الطيب الصديقي.

كما نسق مع باحثين عرب لتحرير أعداد خاصة من مجلة Ecumenica كما فعل مع حازم عزمي حول الإسلام والمسرح، وخالد أمين حول فن الحلقة، والأداء العربي- الأميركي بشراكة داليا بسيوني.

ونشر في السنة نفسها أبحاثه حول الدراما العربية، وتزايد اهتمامه بالمسرح المغاربي، وهي “أربعة مسرحيات من شمال إفريقيا” (اثنتان من تلك المسرحيات التي ترجمت كانتا للمسرحي الجزائري عبدالمالك علولة ورائد المسرح المغربي الطيب الصديقي. وواصل العمل مع خالد أمين من خلال مشروع عربي يعده مارفن كارلسن الأكثر طموحا حتى الآن، وهو كتاب حول تاريخ المسرح الجزائري، والتونسي، والمغربي نشر ضمن منشورات Palgrave McMillan عام 2012.

وقد توج مارفن كارلسن بالعديد من الجوائز الدولية كجائزة “جورج جان ناثان” و”وإدغار روزنبلوم” لمساهمته في تطوير فنون التمثيل، وتعزيز مجالات المسرح والأدب المقارن وإشعاعهم، وإشرافه على العديد من الأطاريح الجامعية التي تهتم بدراسة المسرح العربي.

هذا وقد سبق وأن كرم المهرجان في دورات سابقة مجموعة من من القامات مثل حسن منيع، ومحمد قاوتي، وثريا جبران، وعبدالحق الزروالي، ومحمد مفتاح.

وأشار الدكتور خالد أمين مدرير المهرجان أن هذه الدورة التي تحظى بدعم وزارة الثقافة تتغيا إثارة إشكالات ترتبط بالمزيد بالتداخل بين “المنعطف السردي” ونظيره “الأدائي”؛ إذ أحيانا لا يتم التحكم في تصريف المادة الحكائية كرونولوجية خطية؛ حيث لا ينشد السرد داخل معترك الممارسة المسرحية البديلة رهانات تمثيل واقع الحال كما هو. وفي الوقت نفسه، ساهم المنعطف الفرجوي لأواخر القرن العشرين في إرباك الحدود بين الفنون وبين الفن ونقيضه.

ويجسد أداء القصص السير ذاتية والوقائع في العديد من التجارب المسرحية المعاصرة الإمكانات الهائلة للمسرح السردي، فيغزو الواقع المسرح من جديد، ويستفزه انطلاقا من ردم الهوة بين السرد الذاتي والحكايات الجماعية، الخاص والعام، الجمالي والسياسي.

أما كلمة المدير الجهوي لوزارة الثقافة طنجة – تطوان – الحسيمةن محمد الثقال فأشارت إلى هذه التظاهرة أصبحت مرجعا مهما في استقصاء تجارب الحداثة وما بعدها في فنون الفرجات الحية وما جاورها وانطلاقا من استحضارها الذاكرة الإنسانية المشتركة التي تلاقحت فيها ثقافات وحضارات في حوض الأبيض المتوسط الكبير.

لذلك فالمهرجان أضحى فرصة ثمينة للتلاقي والتحاور، والإطلاع على التنوع والخصوبة في مجالات الفرجات الحية، وإبراز المميزات النوعية للعطاء المسرحي الدولي كمكون مهم من مكونات التثاقف والتسامح وانفتاح الحضارات على بعضها البعض.

وتميزت الجلسة الأولى الافتتاحية التي ترأسها مارفن كارلسن بمحاضرة غابرييل برانستيتر المديرة الثانية لمعهد تناسج ثقافات الفرجة بالجامعة الحرة ببرلين انطلقت فيها من جاذبية موضوع السرديات، وبخاصة الجانب المتعلق بالأداء داخل المسرح العربي والعالمي؛ بحيث تسمح عملية الاندهاش بتحقق عمليات الفهم على الرغم من وجود أنماط من السرديات؛ فإن هناك تمييز بين السردية والحكي داخل المسرح والأداء المسرحي؛ إذ نجد في بعض الجامعات الغربية سلسلة محددة في العمل المسرحي يصبح معها السردي انعكاسا لعملية الأداء مما ينجم عنه انخفاض على مستوى الأداء الدرامي انطلاقا من استعارة هذه التقاليد الحكائية التي تعود إلى التسعينيات.

كما أن تضمن المسرح على حكايات منذ شكسبير كان بهدف التسلية؛ حيث يتم مزج الحكي بالوسائط الجديدة انطلاقا من علاقة غير هرمية يتبعها الموقف الجمالي. دخلت الصورة المتعلقة بالأداء مجال البحث المسرحي خلال التسعينيات بشكل لافت؛ إذ صار كل من الحكي والسردية شيئا جديدا بدءا من اختيار المصطلحات، والتعيين الإجناسي في هذه النماذج المسرحية التي فرضها الاستعمار والتراث، وفي خضم هذه الدينامية جاء فن المسرح الراقص؛ ليصبح الرقص موضوعا على الخشبة باستثناء الرقص الشرقي والجانب التقليدي فيه كما هو الأمر في الهند.

يعتمد الرقص المسرحي المعاصر في تقاليده على إستراتيجية تأتي من اتباع الحكي والسرد والتشخيص لسيرورات تصير بموجبها فعلا واقعيا، وبالتالي تسهم في عملية توصيلها إلى الجمهور؛ حيث يتم التمييز بين موضوع الحكي الذي هو الرقص؛ حيث يقومون في جنوب إفريقيا بالحكي والرقص. كما يمكن أن يخضع العرض المسرحي إلى عملية توليف بين الأداء والفن التشكيلي، بدلا من عرض الصور من طريق استخدام صور متعددة لتظهر جودة السردية من خلال العرض. إن عنصر الحكواتي- تضيف غابرييل برانستيت- هو وضع مجموعة صور، ونسج صورة متعددة بوصفها كيفية معينة من هذه التركيبات، وتستشهد الباحثة في هذا السياق بعرض مسرحي بمهرجان برلين تم ترك الرقص؛ لأن المشاهد هو الذي يقرر النتيجة الملقاة. وبالتالي تظهر الشخصيات في صورة خيال، وليس من خلال شخصيات تبدأ في سرد الحكايات؛ إنها خيالات متراقصة يتم عرضها في “رقصة الموت” إضافة إلى صور أخرى ومسرحيات تظهر فيها جائزة يتم منحها للصيادين في مشاهد خيالية غير واقعية؛ ويحيل هذا الأمر إلى اللاجئين، ومعاناة أهالي جنوب أفريقيا، والغاية من هذا الرقص هو جلب انطباع تاريخي إلى ذاكرتنا من خلال بعض الراقصين، وكذا عمليات الطيران تسعى إلى تمثيل نظام العنصرية، وقتل اليهود، والمحرقة في ألمانيا بوصفها معاناة لهذه الذاكرة.

تتم عملية السرد والحكي من دون الحاجة إلى كلمات، وإنما يتم تمريرها بوساطة الرقص، وبالتالي تصبح الذاكرة درامية كتحويل لأقوال فرويد كي يتم تطبيقها من خلال الصور لتحقق رؤية ما يود أن يقوله الممثلون من أجل تحويل ولي عنق الحقيقة.

إن موضوع السردية من خلال هيكلة الزمن يمكن رصده في الأشرطة المرسومة المتحركة عندما حاولت الرسم على الورق، والعودة إلى الكاميرا بغية إنتاج ما نريده، وهذا ما وقع بالضبط؛ ذلك أن تراكم الصور والرسومات أفرز لنا معنى يتصل بالوقت الذي يختلف من بلد إلى آخر؛ وهذا ما تطلق عليه الباحثة برفض الساعة، فضلا عن إمكانات أخرى تتعلق بتقنيات تسمح بعودة الصور من الذاكرة.

وترى الباحثة في مسرحية “فلينني في المنفى” أن تداعي الأفكار يسمح لها بعدم تفسيره انطلاقا من مبدأ القطع السردية بوصفه أساس عملية الحكي والسرد؛ لأن بعض الأشياء التي جعلت عملية التفكير ليست بوصفها عملية إنتاج وفقط، وإنما مشاركة الآخرين؛ إذ يمكن أن تؤثر عملية السرد – هذه – على المسرح، وبخاصة على مستوى التوليف؛ لأنه يدخل العمل في التكرار عوض التركيز إلى درجة تصبح هذه الأشياء خاضعة لصيرورات كما لو أنها رسومات متحركة؛ أي أن إطار الأداء والبناء المسرحي يعد موقعا، وليس مؤامرة. ومن ثمة تصير قريبة من صور الخطاب.

وتمثل الباحثة في هذا السياق بالنوادر بوصفها توليفات حديثة وعاصرة حديث في التاريخ. ترتبط عملية التقسيم – حسب الباحثة – بطريقة الحديث؛ إذ تظل سرا من الأسرار؛ بحيث تظهر التأثيرات على مستوى الحوار من دون إطار؛ ذلك أن سرد التاريخ بدأ في التسعينيات على خشبة المسرح.

تعد النوادر عملية قطع وفصل للسردية، واستكشافا للتاريخ، وتعرضا للغة المستخدمة انطلاقا من الرغبة في الحفاظ على الجانب التاريخي فيها، وبالتالي تفضي إلى نوع من الحديث عن الموقف مما أفرزه الاستيطان الاستعماري؛ أي استعمار الأراضي، ومن جوانب متعددة؛ بحيث تم استخدام هذا المصطلح لفهم طبيعة تشكلات الاختلاط المناسب لترك الحرية في التصرف على خشبة المسرح من دون أن تكون عملية الفهم احتمالية على مستوى نقدها لعملية التنوير، وبخاصة بعد عصر المسرح الاستيطاني بوصفه نوعا من أنواع التهذيب التي تتسم بها حركة التنوير.

تنتقل بعد ذلك الباحثة إلى الحديث عن تجربة كاتدريج الذي تحدث عن العلم والفن ومعرفة الوسائل التقنية وحب الاستطلاع بوصفه كشفا للمجهول، وأيضا بالنسبة إلى المساحات والحقائق والحركات والرقصات، واستوديو التمثيل؛ فتخييل الحركة يجعل السرد خارج الكلمات، مما يمكن المشاهد من الحفاظ على معنى السردية من خلال فعل التخيل، وبالتالي متابعة الجمهور.

عرض كاتدريج الأمر على المشاهدين، وبالنسبة إلى التحركات والتشككات المعرفية هو ما يحصل عليه هذا المشاهد انطلاقا من ممارسات فنية تتعلق بالحريات، وتؤدي إلى التفكير الخارجي عوض المركزي؛ ونشأ في التسعينيات، وكان بإمكانه أن يؤدي بنا إلى استيعاب المعارف في ذلك الوقت ولاسيما على مستوى الأداء.

إنها الصورة السردية بوصفها قطعة من الفن، وكان العرض من طرف واحد، وكان أداء خاصا بالسيرة الذاتية للإنسان، واستعراضا راقصا تبعا للظروف التي كان ينتج في ضوئها عام 1998؛ إذ كانت الصورة السردية عبارة عن خطاب علمي، ولغة للجسد والتربية على الأداء المسرحي؛ بحيث كان الممثلون وهم يعرضون رقصاته حسب الدراسات العلمية.

أما بالنسبة إلى الأسئلة المتعلقة بالجسم، وبخاصة جسد المرأة الذي ينظر إليه كاتدريج كسيرة ذاتية وعملية سرد تسمح للفنان بأن يظهر كمؤد لوظيفة تتعلق بالسيرة الذاتية التي تتعلق عناصرها بالتوقعات التي ينتظروها الآخرون لترجمة وتفسير الصور والمصورات.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى