الإماراتي حسن شريف رائد الفن التشكيلي والمفاهيمي

عمر شبانة

لم يكن حسن شريف، الفنّان الإماراتي الذي رحل قبل أيام عن خمس وستين سنة، من بين روّاد التشكيل الإماراتي فحسب، إنما يُعدّ واحداً من رموز الفن المعاصر، وتحديداً المفاهيمي (conception) والتركيبي، في الإمارات والخليج عموماًَ.
في مرحلة العمل الكاريكاتوري، في مطلع السبعينات، حينما كان هذا الفنّ يحتلّ مكانة في الصحف والمجلات، جسدت رسوم الراحل تعبيراً تهكمياً عن هموم يومية محلية وعالمية، غير أنه اختار أن يسافر إلى بريطانيا في عام 1973، طامحاً الى تجديد رؤيته الفنية وفكره الفني المنطلق من محيط جديد. فالتحق بكلية «بايام شو للفنون» (جزء من سنترال سانت مارتينز) عام 1980، وتأثّر بأعمال الفنان تام جيلز، رئيس قسم الفن التجريدي والتجريبي في الكلية آنذاك. وأدى ذلك الاهتمام إلى تبلور فكر شريف الإبداعي واهتمامه بالحركة المفاهيمية الفنية، التي رأى فيها التعبيرَ الأقرب عن دواخله. ولدى عودته إلى بلده، أطلق ما عُرف بظاهرة الفنّ المفاهيميّ، وكانت له جماعة فنية من عدد من الفنانين المقرّبين، وانتهى في الأعوام الأخيرة إلى تأسيس «بيت الفن الطائر» (ذي فلاينغ هاوس)، مقرّه دبي، مع شقيقه رجل الأعمال عبدالرحيم شريف.
في بداية ثمانينات القرن الماضي، شكلت أعمال شريف صدمة للمتلقّين وللفنانين أيضاً في المنطقة، إذ كان الفن المفاهيمي غير مستوعب بعد، فلم يسبق أن قُدّمت الملاعقُ والحبالُ والعُلبُ الصَدِئة بوصفها أعمالاً فنيّة. وبهذا ساهم شريف في بثّ روح جديدة في أجواء الفن التشكيلي بين الأجيال الجديدة في الإمارات، فأسّس مرسم الفن في مسرح الشباب في دبي، كملتقى فني وفكري للفنانين والمفكرين في الفن الحديث، وساهم أيضاً في تأسيس جمعية الإمارات للفنون الجميلة، ولديه كتب منشورة في الفن الحديث ومفهوم الفن وفلسفة إنتاجه، حتى بات يعتبر في مثابة «أب روحيّ» لجيل من المشتغلين في مجال الفنون البصرية في الإمارات.

لقاءات وحوارات
عرفتُ عن كثب هذا الفنان المتمرّد، والمتميّز بمزاج وطبع حادّين، منذ مطالع العقد الأوّل من هذا القرن تقريباً، بحيث كنا نلتقي في واحد من فنادق دبي، وفي ما بعد، ومنذ 2008، صرت أزوره في «ذي فلاينغ هاوس»، المؤسسة التي يديرها شقيقه عبدالرحيم شريف، وتجمع بين وظيفة المتحف ووظيفة صالة العرض، فضلاً عن كونها مكاناً لحفظ وثائق فنية كنا نراها مكدسة في صناديق.
كان الراحل من أشدّ المولعين بالتنظير للفنّ المفاهيمي الذي كان يبدو «غريباً» على المشهد الفنيّ الإماراتي، هذا المشهد الذي يتّسم بالواقعيّة والاشتغال على الموروث، من جهة، لكنه من جهة أخرى مشهد حظي بصعود تيار من الفنانين الشباب الذين ساروا في ركب التجريب، ساهم حسن شريف في دعمه وتقديمه والتنظير له، خصوصاً ضمن مجموعة «الخمسة» التي كانت تضمّ معه الفنانين محمد أحمد إبراهيم ومحمد كاظم وعبدالله السعدي، ثم توسّعت لتشمل فنانين آخرين (عُرفت لاحقاً بمجموعة الثمانية).
وعلى ما يتّسم به «مفهوم» الفنّ المفاهيمي والتركيبي/ الإنشائي من غرابة (أو غربة)، في بيئة سِمتُها الحفاظ على التراث، كان شريف يتجرأ في عمله فيحوّل «بقايا» العالم و»خردته» إلى أعمال فنية، فاستطاع التميُّز بمقدرته على تقديم أعماله بوصفها «إعادة الحياة» للأشياء المُهملة.
كان حسن شريف يرى الفن محاولة إنسانية ضدّ الاندثار، وهذا ما كانت تعبّر عنه رسوم الإنسان الأول على الجدران. وكان يردّد دائماً أنّ «طبيعة الفن هي دعوة الى عدم الانفصال عن الواقع والمجتمع، وكل ما ينتجه الفنان هو وسيلة إيصال، لأن الفنان غير قادر على التواصل مع محيطه إلا عبر هذه اللغة، والعمل الفني هو نوع من التهكّم والنقد غير المباشر».
تابع حسن شريف خلال مسيرته، تجارب فنانين آخرين أثروا في وعيه وأعماله مثل جوزف كوزوث، أحد فناني المذهب التصوّري، ومارسيل دوشان، وغيرهما. لكنّه واجه في بداية طريقه معارضة من كثر، نظراً الى الحداثة التي وسمت أعماله، بينما التفّ حوله عدد من الفنانين الذين شكلوا معه لاحقاً ما بات يُعرف بـ»مجموعة الثمانية»، علماً أنّ لكلّ واحد من أعضاء هذه المجموعة شخصيته الفنية الخاصة، وقد اعتادوا المشاركة في المحاضرات والندوات التي تُعرّف بتوجهات هذه المجموعة وأهدافها.
وكان حسن شريف يرى أنه «فنّان واقعي»، ولا يقرّ بما يقال عن كونه مفاهيمياً، ويوضح ذلك بقوله: «لقد مررتُ بالعديد من المدارس الفنية، وأعتبر أن مدرسة فرانكفورت واحدة من مرجعيّاتي، لأنها تستوعب هذا التعدد».
واعتبر أن الفن اختلف كثيراً مع ماغريت (1926)، الذي مذ رسم الغليون وكتب تحته «هذا ليس غليوناً»، أخذت تتداخل السوريالية والرمزية، ليس في الفن فقط بل في الفكر والموسيقى والأدب أيضاً.
اعتمد الفنان الراحل في أعماله التركيبية على أشياء من الحياة اليومية، من دون أن تكون هناك فلسفة تحكم شغله، لأنه يرى أنّ المسألة تتعلق أساساً بالمتلقّي، ومدى قدرته على استيعاب الجديد. فاستخدام المواد واختيارها يقومان على رؤية الفنان وما يمتلك من أدوات، علماً أن ثمة فناناً يمكن أن يلتقط من الشارع لوحة خاصة به. وكان الشريف يعتقد أنّ الفنان هو ابن بيئة تتّسع لتشمل العالم، وهو بعلمه تجاوز حدود الإمارات، وطنه، ليصير كائناً «عالمياً».

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى